« فهرست دروس
درس خارج فقه الأستاذ السيد رحيم التوکّل

1404/08/27

بسم الله الرحمن الرحیم

فی مطلوبیة تکثیر الاولاد/فی تحدید النسل و تقلیل الموالید /مستحدثه

 

موضوع: مستحدثه/فی تحدید النسل و تقلیل الموالید /فی مطلوبیة تکثیر الاولاد

وأضف إلى ذلک أنه إذا کان الإنسان فی مقام الاستغفار من الذنوب والإنابة إلى الله تعالى، فلا یكون النازل من السماء هو الأمور المادیة –کالمطر مثلاً– بل العنایات الإلهیة من البرکات المعنویة أیضاً نازلةٌ؛ لأنّ الله یحبّ التوّابین.

ومن الآیات أیضاً قوله تعالى: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[1] . فقد ذُکر الإمداد بالبنین فی جنب الإمداد بالمال وعُبّر عن حکمهما بـ “زینة الحیاة الدنیا”.

ومنها أیضاً قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾[2] .

ومن الآیات أیضاً فی قضیة بنی إسرائیل قوله تعالى: ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا﴾[3] .

ومنها ما ورد فی قضیة قوم هود فقال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ﴾[4] .

وأما الروایات، فقد مرّ ذکر بعضها فی البحوث السابقة، فراجع؛ مع أنّ دلالتها للمقام واضحةٌ مصرحة. وفی الآیات الشریفة قد جعل الله الأولاد فی جنب الأموال؛ والأموال توجب القدرة الاقتصادیة وما یُحتاج إلیه، والبنون توجب القدرة الإنسانیة؛ وأنّ هذین الأمرين یکمل أحدهما الآخر، مع صحة أن یُقال إنّ القدرة لا تکمل بأحدهما دون الآخر.

ولا بأس بذکر بعض الروایات الواردة فی المقام، وإن ذکر سابقاً ما هو مفادها کمفاد هذه الروایات:

منها ما عن أبی الحسن الرضا-علیه الصلوة و السلام- قال: قال رسول الله -صلی الله علیه و آله- لرجل: «تزوّجها سوّاءً ولوداً، ولا تتزوّج الجميلة الحسناء العاقر؛ فإني أُباهی بکم الأمم یوم القیامة؛ أما علمت أنّ الولدان تحت العرش یستغفرون لآبائهم، یحضنهم إبراهیم وتُرَبّیهم سارة فی جبل من مسک وعنبر وزعفران[5] ».

ومنها ما ورد فی باب رفع الصوت بالأذان فی المنزل لطلب کثرة الولد عن هشام بن إبراهیم أنه شکا إلیه أبو الحسن الرضا-علیه الصلوة و السلام- سقمَه وأنه لا یولد له ولد، فأمره أن یرفع صوته بالأذان فی منزله، قال: ففعلتُ فأذهب الله عنی سقمی وکثر ولدی[6] .

ومنها ما ورد فی مَن رزقه الله ثمان بنات من دون بنین فشکا إلى الصادق -علیه الصلوة و السلام- فأمره بأمر ففعلَه، فرُزق سبع بنین.

وقد مرّ الکلام فی أنّ کثرة الأولاد ممّا لا نهی فیها بنفسها، وما یُتوهَّم النهی فی مورد مما یُستفاد من بعض الآیات الشریفة، لکان لأجل زمان خاص أو مکان خاص على نحو القضایا الخارجیة لا الحقیقیة.

مع أن کثرة الأموال والأولاد وإن کانت دلیلاً على القدرة والشوكة، ولکن لا دلالة فیها على الدوام فی کل زمان أو مکان.

وإن کانت کثرة الأولاد فخراً وقدرةً، ولکن کانت لأمر خاص.

ففی قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾[7] .

ومن البدیهی أن هذا لیس عاماً فی جمیع الأزمنة؛ فربما کانت کثرة الأولاد موجبةً للوهن والفقر، فالقول بعمومیة الآیة الشریفة لکل زمان أو مکان غیر صحیح.

والأمر کذلک فی قوله تعالى فی مقام الإنذار والتهدید فی حق المنافقین: ﴿كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا﴾[8] .

وبهذا المضمون قوله تعالى فی قصة هارون: ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾[9] .

والمُستفاد منها أنّ کثرة الأولاد من أسباب الاقتدار، وأنّ الاستفادة منها فی غیر طریق الحق توجب الهلاكة ونزول العذاب من الله تبارک وتعالى. وکثرة الأموال وإن کانت اقتداراً فی عمود الزمان، ولکن کثرة الأولاد لیست کذلک.

 


[1] : کهف 18- 46.
[2] : النحل16- 72.
[3] : اسراء17- 6.
[4] : شعرا26- 133، 132.
[7] : سبأ34- 35، 34.
[8] : توبه9- 69.
[9] : قصص28- 78.
logo