« فهرست دروس
الأستاذ السيد احمد الصافي
الأصول

47/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

استصحاب الامور التدريجية/الاستصحاب /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/الاستصحاب /استصحاب الامور التدريجية

ما زال الكلامُ في التنبيهِ الثاني المتعلّق ببحثِ جريانِ الاستصحاب في الأمورِ غيرِ القارّةِ الذّات. وقد تقدّم أنّ الشيخَ الأعظم (قده) قسّم المطلبَ إلى ثلاثةِ أقسام.

وقد فرغنا من القسمِ الأوّل، وهو ما يرتبط بـ الزّمان. وأمّا القسمُ الثاني، وهو ما يتعلّق بـ الزّمانيّات، ، فهو ما نتعرض له الآن وذلك ببيانِ رأيِ الشيخِ الأعظم (قده) .

قال (قده): "وأمّا القسمُ الثاني، أعني: الأمور التدريجيّةَ غير القارّة، كالتكلّم والكتابة والمشي ونبعِ الماءِ من العين وسيلانِ دمِ الحيضِ من الرحم"([1] ).

توضيح ذلك: إنّما ذكر الشيخ الأعظم (قده) هذه الأمثلة للإشارة إلى أنّها أمور تدريجيّة، والمراد بالأمور التدريجيّة: ما لا تجتمع أجزاؤه في آنٍ واحد.

فالمشي ـ مثلًا ـ عبارةٌ عن خطواتٍ متعاقبة؛ إذ تبدأ الخطوةُ الأولى ثم تنتهي، ليبدأ بعدها الجزءُ الثاني، ثم الثالث، وهكذا، فلا تجتمع الخطوات بأجمعها في آنٍ واحد، بل تكون أجزاؤها متصرّمةً متعاقبة. وكذلك الحال في التكلّم؛ فإنّ المتكلّم إذا نطق بكلمةٍ أو جملةٍ، فإنّ أجزاءها تنقضي واحدًا بعد آخر، فتنتهي المفردةُ أو الجملةُ لتبدأ التي تليها، من دون اجتماع هذه الأجزاء في زمانٍ واحد.

ومثله سيلانُ الدم من الرحم ونبعُ الماء من العين؛ فإنّ السيلان عبارةٌ عن حركةٍ تدريجيّة، ينتهي فيها جزءٌ من الدم أو الماء، ثم يعقبه جزءٌ آخر، وهكذا سائر الأجزاء، فهي بأجمعها أمورٌ تدريجيّة غير قارّة.

ومن هذه الجهة تشبه هذه الأمور الزّمان، كـ اللّيل والنهار؛ فإنّ أجزاء الليل ـ مثلًا ـ متصرّمة، يبدأ الجزءُ الأوّل ثم ينتهي، ليبدأ الثاني ثم الثالث، وهكذا. وكذلك سائر اعتبارات الزمان من الدقائق والثواني والساعات والأيّام والأسابيع والشهور والسنين.

وعليه، فـ الزّمان هو نفس هذه الحقيقة المتصرّمة، أمّا الزّماني فهو ما يوجد في داخل الزمان ويقع تحت امتداده. وهذا هو الفرق بينهما. غير أنّه من حيث التحليل، يظهر أنّ الإشكال المتقدّم في الزمان بعينه يَرِد في الزّمانيّات، فلا بدّ أن يكون الجواب هناك هو نفس الجواب هنا في باب الزّمانيّات، من دون فرقٍ بينهما.

قال(قده): "فالظاهرُ جوازُ إجراءِ الاستصحابِ فيما يمكنُ أن يُفْرَضَ فيه أمرٌ واحدٌ مستمرّ".

ولابد ان يكون مقصوده من هذا الفرض ليس فرضًا اعتباريًّا ذهنيًّا محضًا، بل لا بدّ أن يكون هذا الأمر الواحد أمرًا عرفيًّا، له وحدةٌ مفهومة عند العرف، لا وحدةٌ مخترعة منّا بلا منشأ.

ومن هنا قال (قده): "نظيرَ ما ذكرناه في نفس الزمان، فيُفْرَضُ التكلّمُ ـ مجموعَ أجزائه ـ أمرًا واحدًا".

وبهذا بدأ (قده) في حلَّ الإشكال، حيث قال: "والشكُّ في بقائه لأجل الشكِّ في قلّةِ أجزاءِ ذلك الفرد الموجودِ منه في الخارج وكثرتها، فيُستصحَبُ القدرُ المشتركُ المردّدُ بين قليلِ الأجزاء وكثيرِها".

ومراده ـ وإن كان واضحًا في الجملة ـ إلّا أنّ توضيحه أدعى لرفع أيّ لبسٍ محتمل.

وحاصل ما أفاده (قده): أنّه في الأمور التدريجيّة يمكن تصوير جريان الاستصحاب، بعد الفراغ عن إمكان فرضها أمرًا واحدًا مستمرًّا بالوحدة العرفيّة.

ففي مثال المشي ـ مثلًا ـ إذا كان المشي من نقطةٍ (أ) إلى نقطةٍ (ب)، فإنّ العرف يعدّ

هذا مشيًا واحدًا، لا مجموع خطواتٍ متفرّقة. فإذا شككنا في بقائه، بأن تردّد الأمر بين كونه مشيًا ذا عددٍ قليلٍ من الخطوات أو عددٍ أكثر، صحّ لنا ـ على هذا المبنى ـ إجراء الاستصحاب.

وحينئذٍ يكون المستصحَب هو القدر المشترك ـ على تعبير الشيخ الأعظم ـ، والمراد به نفس عنوان المشي أو نفس الحركة أو الخطبة بما هي أمرٌ واحدٌ مستمرّ عرفًا، لا خصوص عددٍ معيّنٍ من أجزائه.

لفتُ نظرٍ وتحريرُ محلِّ الإشكال: ينبغي أوّلًا أن نلتفت إلى أنّ السؤال الأساس هو: ماذا نريد أن نستصحب؟ وبعبارةٍ أخرى: لماذا وقعنا أصلًا في هذا الإشكال حتّى سعينا إلى حلّه؟والجواب: إنّما نشأ الإشكال من جهة ترتّب الأثر الشرعي على هذه الأمور التدريجيّة. فلو لم يكن هناك أثرٌ شرعي، لما كان ثمّة حاجةٌ إلى البحث عن جريان الاستصحاب. ومن هنا جاءت الأمثلة التي أفادها الشيخ الأعظم(قده)، كاعتصام الماء إذا كان في عروق الأرض اي له مادّة، أو دم الحيض في الرحم ، أو المشي، أو التكلّم والخطبة؛ إذ المفروض إنّ لكلّ واحدٍ من هذه الموارد أثرًا شرعيًّا مترتّبًا عليه.

فنحن ـ مثلًا ـ نريد في باب الماء أن نثبت كونه مما له مادة ليترتّب عليه حكم الاعتصام، وفي باب الدم نريد استصحاب بقاء دم الحيض ليترتّب عليه حكم ترك الصلاة، وفي المشي أو الكلام إذا فرضنا لهما أثرًا شرعيًّا نريد ترتيب ذلك الأثر عليهما. ومن هنا يتّضح أنّ مراد الشيخ الأعظم من القدر المشترك ليس الرجوع إلى استصحاب الكلّي؛ لأنّ الكلام هنا ليس في استصحاب الكلّي بأقسامه، وإنّما الكلام في استصحاب نفس هذا الأمر التدريجي الخارجي ـ كالمشي أو سيلان الدم ـ لأجل ترتيب الأثر عليه بما هو هو.

ولهذا لا يتعرّض الشيخ (قده) هنا لمباحث كان التامّة والناقصة، ولا لمباحث ليس التامّة والناقصة، وإنّما يركّز على حلّ الإشكال بلحاظ نفس مبناه في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجيّة.

تحقيق الإشكال وكيفيّة دفعه: ان الإشكال في استصحاب الزمان والزمانيّات ـ كما تقدّم ـ ناشئ من عدم وجود وحدةٌ بين القضيّة المتيقّنة والقضيّة المشكوكة؛ إذ المتيقَّن قد حدث وانقضى، والمشكوك لم يحدث بعد. ففي مثال المشي، الخطوة الأولى تحقّقت ثم انعدمت، والخطوة الثانية لم تتحقّق بعد، وكذلك في الليل والنهار، فإنّ الجزء المتقدّم قد انقضى، والمشكوك هو جزءٌ لم يوجد بعد. فيكون لدينا قضيتان لا قضيّة واحدة، مع أنّ الاستصحاب يتوقّف على وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة.

ومن هنا سعى الشيخ الأعظم (قده) إلى إرجاع القضيّتين إلى قضيّة واحدة، حتّى يكتمل ركنا الاستصحاب. فابتدأ أوّلًا بفرض أنّ هذا الأمر التدريجي أمرٌ واحدٌ مستمرّ، لا بلحاظ الدقّة العقليّة، بل بلحاظ الفهم العرفي؛ فإنّ العرف هو الذي يعدّ المشي من النقطة (أ) إلى النقطة (ب) مشيًا واحدًا، لا مجموعة أفعال متعدّدة.

وبناءً على هذا الفرض، إذا شككنا: هل انتهى هذا المشي أو لا؟ أو هل انقطع دم الحيض أو لا؟ فإنّ الشكّ حينئذٍ يكون راجعًا إلى بقاء نفس هذا الأمر الواحد، لا إلى حدوث أمرٍ جديد. فالتردّد يكون بين كونه قليل الأجزاء فينتهي، أو كثير الأجزاء فيستمرّ.

وعلى هذا الأساس، تكون القضيّة المتيقّنة هي: وجود هذا المشي أو هذا الدم أو هذا السيلان، والقضيّة المشكوكة هي: بقاؤه أو عدم بقائه. وحيث إنّ الموضوع واحد عرفًا، تصح وحدة القضيّة، ويجري استصحاب البقاء.

ففي مثال دم الحيض: كان الدم موجودًا يقينًا، ونشكّ في انقطاعه، ومع فرض كونه أمرًا واحدًا مستمرًّا، يكون الشكّ في بقائه، فيجري الاستصحاب، ويترتّب عليه الحكم الشرعي من ترك الصلاة وغيره. وكذلك الحال في المشي، والخطبة، وسيلان الماء، وسائر الأمور التدريجيّة التي يترتّب عليها أثر شرعي.

وخلاصة رأيه (قده):إنّ جعل الأمر التدريجي أمرًا واحدًا مستمرًّا ـ بلحاظ الفهم العرفي ـ هو الطريق لتصحيح وحدة القضيّة المتيقّنة والمشكوكة، وبذلك يتمّ ركنا الاستصحاب، ويصحّ إجراؤه في الزمان والزمانيّات. وهذا هو حاصل رأي الشيخ الأعظم (قده) في المقام.

ولكن هل يَرِدُ إشكالٌ على ما تقدَّم؟من هنا عبَّر الشيخُ الأعظم (قده) عن ذلك بـ الدعوى، فقال: "ودعوى: أنَّ الشكَّ في بقاء القدر المشترك ـ أعني: المشي في مجموع تلك الخطوات ـ ناشئٌ عن حدوث جزءٍ آخر من الكلام، والأصل عدمُه، المستلزمُ لارتفاع القدر المشترك، من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي، الذي قلنا بعدم جريان الاستصحاب فيه".

توضيح هذه الدعوى والإشكال:حاصلُ هذه الدعوى أنّه لو تمَّ هذا البيان، للزم

أن يكون الاستصحابُ الذي أراد الشيخُ الأعظم (قده) إجراؤه من قبيل استصحاب الكلّي من القسم الثالث، وقد تقرَّر ـ على مبنى المشهور ـ عدمُ جريان الاستصحاب في هذا القسم.

وعليه، فالكلام ليس في أصل تقسيم الشيخ الأعظم (قده) لأقسام استصحاب الكلّي، بل في المبنى المشهور القائل بعدم جريانه في القسم الثالث.

ومن هنا يُطرح السؤال: كيف يُعَدّ هذا المورد من القسم الثالث؟ولأجل فهم ذلك وتطبيقه على محلّ الكلام، لا بدّ من استذكار حقيقة استصحاب الكلّي من القسم الثالث:ففي هذا القسم، إذا علمنا بوجود زيدٍ في الدار، فقد علمنا بوجود الكلّي ـ وهو الإنسان ـ في ضمنه. فإذا خرج زيد، فقد خرج الكلّي بخروجه. ثم نشكّ في أنّه هل كان في الدار فردٌ آخر من الإنسان ـ كعمرو ـ أم لا؟ سواءٌ كان وجودُ عمرو مقارنًا لوجود زيد، أو مقارنًا لخروجه.

فالشكّ حينئذٍ ليس في بقاء ما كان موجودًا، بل في حدوث فردٍ آخر جديد؛ إذ زيد ـ وهو الفرد المعلوم ـ قد تيقَّنَّا بارتفاعه، وعمرو مشكوكُ الحدوث من الأصل. وبذلك يكون الشكُّ دائرًا بين معلوم الارتفاع ومشكوك الحدوث، لا بين متيقَّن الوجود ومشكوك البقاء، فيفقد الاستصحاب أحدَ أركانه، فلا يجري. وهذا هو القسم الثالث الذي اتُّفِق ـ كما تقدَّم ـ على عدم جريان الاستصحاب فيه، ولم يوافق الأعلامُ الشيخَ الأعظم (قده) على القول بجريانه.

وعلى ضوء ذلك، إذا طبَّقنا هذا البيان على محلّ الكلام، نقول: إنّ المشي عبارة عن مجموع خطوات، والكلام عبارة عن مجموع ألفاظ، وسيلان الدم عبارة عن مجموع قطعات، وكذلك الحال في سيلان الماء.

فلو فرضنا أنّه بعد عشر خطواتٍ من المشي شككنا في أنّه هل استمرَّ في المشي أو توقَّف؟ فإنّ هذه العشر خطواتٍ كانت موجودةً قطعًا ثم ارتفعت قطعًا، كما أنّ وجود زيدٍ في المثال السابق كان معلومًا ثم ارتفع. أمّا الخطوات الخمس اللاحقة، فهي مشكوكة الوجود من الأساس، نظير عمرو في المثال المتقدِّم، حيث كان الشكُّ في حدوثه لا في بقائه.

وعليه، تكون الخطوات العشر معلومة الحدوث ومعلومة الارتفاع، والخطوات اللاحقة مشكوكَة الحدوث، فأين يتحقّق الشكّ في البقاء الذي هو ركن الاستصحاب؟

فيدور الأمر بين جزءٍ وُجد وارتفع، وجزءٍ لم يُعلم حدوثه أصلًا، تمامًا كما في استصحاب الكلّي من القسم الثالث الذي يدور بين زيدٍ الموجود المرتفع، وعمرو المشكوك حدوثه.

فكما لا يجري الاستصحاب هناك، لا يجري هنا أيضًا.

وهذه هي الدعوى التي عبَّر عنها الشيخُ الأعظم (قده)، وهي ـ في حدّ نفسها ـ دعوى متينة على هذا المبنى.

فالكلام الآن على فرض الاتفاق على كبرى عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من استصحاب الكلّي حتى من قِبل الشيخ الأعظم نفسه، وبذلك لا يكون الإشكال مبنائيًّا، وإنّما هو إشكالٌ علميٌّ صغروي، تقع المناقشة فيه في تشخيص المورد: هل هو من القسم الأوّل أو من القسم الثالث؟ومن هنا نقول: لو أخذنا مثال المشي من الخطوة (ألف) إلى الخطوة (ياء)، فإنّ صاحب الدعوى اعتبر هذا المورد من القسم الثالث، بينما نحن نريد أن نُدرجه ضمن استصحاب الكلّي من القسم الأوّل، الذي هو ـ بالاتّفاق ـ ممّا يجري فيه الاستصحاب.

بيان ذلك: أنّ استصحاب الكلّي من القسم الأوّل هو ما إذا كان عندنا يقين

بالحدوث وشكّ في البقاء، كما لو علمنا بوجود الإنسان للعلم بوجود زيد، ثم شككنا بعد ذلك هل خرج زيد فارتفع الكلي أم لا، فيتحقّق اليقين بوجود كلي الإنسان والشكّ في بقائه، فتتمّ أركان الاستصحاب.

أمّا استصحاب الكلّي من القسم الثالث، فهو ما إذا كان عندنا يقين بالحدوث ويقين بالارتفاع، مع الشكّ في حدوث فردٍ آخر يتحقق به الكلي، فهنا لا يتحقّق الشكّ في بقاء ما تيقّن وجوده؛ لأنّ الذي عُلِمَ حدوثُه قد عُلِمَ ارتفاعُه، والجديد مشكوكُ الحدوث من الأصل، فيفقد الاستصحاب ركنه الأساس.

وعليه، لا بدّ من ضبط الفرق بين القسمين بدقّة؛ إذ به يتّضح محلّ النزاع: في القسم الأوّل: يقين بالحدوث مع الشك في البقاء.

وفي القسم الثالث: يقين بالحدوث مع اليقين بالارتفاع و شك في حدوث فرد آخر.

والآن نعود إلى محلّ الكلام:عندنا مجموعة خطوات من (ألف) إلى (الياء)، وفي الأثناء نشكّ: هل استمرّ المشي أو توقّف؟ فهل هذا الشكّ من القسم الأوّل فيجري الاستصحاب؟أم هو من القسم الثالث فلا يجري؟فإن قلنا: إنّه من القسم

الثالث، فلا استصحاب.

وإن قلنا: إنّه من القسم الأوّل، جرى الاستصحاب.

فنأتي إلى دعوى المدّعي القائل بكونه من القسم الثالث، وبعد التسليم بالكبرى، نُطبّقها صغرويًّا، فنقول:لو شككنا في الخطوة الحادية عشرة، فإنّ الخطوات السابقة ـ من الأولى إلى العاشرة ـ كانت موجودةً قطعًا، ثم ارتفعت قطعًا؛ لأنّ المشي من الأمور التدريجية التي لا تجتمع أجزاؤها في الوجود، فلا توجد خطوة لاحقة إلّا بعد انقضاء السابقة. فالخطوة العاشرة ـ مع كونها متيقّنة الوجود ـ إلّا أنّها الآن متيقّنة الارتفاع.

وعليه، يكون حال الخطوات السابقة كحال زيدٍ في المثال المعروف: موجودٌ ثم مرتفع.

وأمّا الخطوات اللاحقة ـ من الحادية عشرة إلى الخامسة عشرة مثلًا ـ فهي مشكوكَة الحدوث، لا مشكوكَة البقاء. فلا يوجد هنا شيءٌ تحقّق فيه اليقين بالوجود والشكّ في البقاء، بل الموجود المعلوم قد ارتفع، والمشكوك إنّما هو حادثٌ جديد.والشكّ في الحدوث مرجعه إلى أصالة العدم؛ إذ كلُّ حادثٍ مشكوكٍ يُستصحب عدمُه.

وعليه، فلو قُدِّر تحقّق وجود تلك الخطوات اللاحقة، فإنّما هو وجودٌ جديد، لا بقاء لما كان متيقّنًا سابقًا. وبذلك يتّضح أنّ المورد ـ على هذا التحليل ـ يرجع إلى استصحاب الكلّي من القسم الثالث، والاستصحاب غير جارٍ فيه على الفرض.

هذا تمامُ ما تقتضيه دعوى المدّعي، وبناءً عليها يكون هذا الاستصحاب باطلًا لانتفاء أحد ركنيه.

قال (قده): "ودعوى: أنّ الشكَّ في بقاء القدر المشترك ناشئٌ عن حدوث ـ لا عن بقاء ـ جزءٍ آخر من الكلام، لا عن بقاء الكلام الذي تيقَّنّا من حدوثه، والأصلُ عدمُه، المستلزمُ ـ بهذا اللحاظ ـ لارتفاع القدر المشترك، فهو من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلّي الذي لا يجري".

ثمّ اجاب (قده) عن هذه الدعوى بقوله: مدفوعة.

وللكلام بقية.

[ سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ]

 


[1] ـ فرائد الأصول، ج٣، ص٢٠٥ وما بعدها.
logo