« فهرست دروس
الأستاذ السيد احمد الصافي
الأصول

47/04/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستصحاب الكلي /الاستصحاب الكلي /الأصول العملية

الموضوع: الأصول العملية/الاستصحاب الكلي /الاستصحاب الكلي

 

ما زال الكلام في الإشكال الوارد على مبنى الشيخ الأعظم (قده)، وقد تصدّى الأعلام للإجابة عنه بوجوهٍ متعددة. وقد تقدَّم من تلك الأجوبة ما أفاده الشيخ موسى التبريزي (قده) في كتابه الأوثق، وجرى الكلام فيه تفصيلًا.

وأمّا الجواب الثاني، فهو ما ذكره سيدنا الأستاذ (رضوان الله عليه) في كتابه المحكم، حيث قدَّم قبل بيانه للجواب مقدّمةً بيّن فيها منشأ الإشكال، وخلاصتها: أن هذا الإشكال مبنيٌّ على دعوى وجود تضادٍّ بين الحدث الأصغر ــ وهو ما يوجب الوضوء ــ والحدث الأكبر ــ وهو ما يوجب الغسل ــ، والمقصود بالتضاد هنا هو عدم إمكان اجتماعهما في موردٍ واحدٍ .

وبيان ذلك: أنه لو فرض أن المكلّف نام فحصل له الحدث الأصغر (النوم)، ثم استيقظ فوجد نفسه مجنبًا، ففي هذا الفرض يجتمع في الظاهر بين الحدثين، إلّا أنّ الحكم الفقهي المترتب عليه هو وجوب غُسل الجنابة فحسب دون الوضوء ، لأنّ الحدث الأكبر يرفع أثر الحدث الأصغر ويدخل تحته. ومن هنا أفتى الفقهاء بأنّ غُسل الجنابة يُجزئ عن الوضوء، أي إنّ الوضوء لا أثر له مع تحقق الغسل .

ولأجل ذلك قال الأعلام: إنّ العلاقة بين الحدث الأصغر والحدث الأكبر هي علاقة الضدّين، بمعنى أنّهما لا يجتمعان في موردٍ واحدٍ .

وعلى هذا الأساس بُني الإشكال كما ذكر السيد الحكيم (قده) في المحكم، إذ اعتبر أنّ القول بجريان استصحاب الكلّي في المقام يلزم منه اجتماع الحدثين .

وأمّا الجواب الذي حاول بعض الأعلام دفع الإشكال به، فحاصله: التمسك بالأصل الموضوعي، وهو أصالة عدم الجنابة. وبيانه: أنّ المكلّف إذا نام فقد تحقق منه الحدث الأصغر (النوم)، فإذا استيقظ وشكّ في حصول الجنابة، فالأصل الموضوعي يقتضي نفيها، فنقول: لم تثبت الجنابة بالأصل، فيبقى على حدثه الأصغر فقط، وبذلك لا يلزم اجتماع الحدثين. غير أنّ سيدنا الأستاذ (قده) نبّه على أنّ هذا الجواب غير نافعٍ في محلّ الكلام، وذلك لأنّه وإنْ كان يجدي في نفي تحقق الجنابة – أي في نفي الحدث الأكبر من حيث الموضوع – إلّا أنّه لا يعالج

أصل الإشكال المتعلق بـ استصحاب الكلّي.

وبيان ذلك: أنّ البحث في هذا المقام يدور حول استصحاب الكلّي وأقسامه، لا حول استصحاب الفرد أو نفي الموضوع. فنحن نريد أن نستصحب كليّ الحدث، لا أن نثبت أو ننفي فردًا معيّنًا منه. فلو تمسكنا بأصالة عدم الجنابة، فإنّما نتمسك بأصلٍ موضوعيٍّ ينفي الفرد الأكبر من الحدث(أي الجنابة)، وبذلك نكتفي بإثبات بقاء الحدث الأصغر، ولكن هذا لا يثبت عدم كلي الحدث بما هو كلي، حتى نقول بعدم جريان استصحاب الكلي وموضوع التنبيه قائم على بقاء الكلّي لا على بقاء أحد أفراده بعينه.

ومن هنا قال (قده): إنّ الجواب بأصالة عدم الجنابة لا يُجدي نفعًا في محلّ البحث، لأنّه يخرج عن دائرة استصحاب الكلّي، ويعالج مسألةً أخرى مباينة له. نعم، قد وُجد من الأعلام مَن حاول توسيع هذا الجواب، ومنهم السيد الخوئي (قده) والمحقق النائيني (قده)، وسيأتي تفصيل بيانهما لاحقًا إن شاء الله تعالى. وعليه، فخلاصة ما أفاده السيد الحكيم (قده) أنّ الإشكال قائم على أساس التضاد بين الحدثين، وأنّ الجواب القائل بأصالة عدم الجنابة لا يرفع هذا الإشكال، لأنّه لا يتكفّل بإثبات عدم استصحاب الكلّي المقصود في محلّ الكلام، فتبقى العقدة على حالها.

ثم قال سيدنا الأستاذ (قده) في المحكم: إنّ التأمل في الموارد الفقهية يُظهر أنّ كثيراً من الآثار الشرعية ليست مترتبة على الكلي بما هو كلي، بل على الأفراد بما لها من خصوصيات، وأنّ موارد ترتّب الأثر على الكلي نادرة جدّاً.

وبيان مقصوده (قده): أنّه لو تتبّعنا الأبواب الفقهية لوجدنا أنّ الأحكام لا تترتب على نفس الحدث الكلّيّ بما هو كلي، بل على مصاديقه الخاصة، كالحدث الناشئ من النوم أو البول أو المنيّ، إذ إنّ الروايات لم تتعرّض للحدث بما هو "حدثٌ مطلقٌ"، بل تناولت خصوصيات أفراده، فقالت مثلاً: "إذا نمت فتوضأ"، و"إذا بلت فتوضأ"، و"إذا احتلمت فاغتسل". فهذه التعابير كلها تشير إلى الأفراد لا إلى الكليّ الجامع بينها. نعم، من حيث المنهجية الأصولية في بحث استصحاب الكلي، يكون الكلام موجّهاً إلى الكلي بما هو كلي، لأنّ موضوع البحث هو استصحاب الجامع بين الأفراد، ولكن تطبيقات هذا النوع من الاستصحاب في الخارج قليلة جداً؛ إذ الغالب في الاستعمالات الفقهية أنّ الآثار الشرعية مترتبة على الأفراد دون الجامع.

وعليه، يرى سيدنا الأستاذ (قده) أنّ الإشكال الذي أُثير على الشيخ الأعظم (قده) في غير محلّه، لأنّ الأثر في المقام ليس مترتباً على الكلي حتى يُتصوَّر استصحابه، بل هو مترتب على الأفراد الخاصة من النوم أو الجنابة ونحوهما. فإذا كان الأثر للفرد، فلا وجه لأن يُقال: إنّ المكلف بعد استيقاظه يستصحب كلي الحدث، إذ لا أثر عملي للكلي في نفسه حتى يجري فيه الاستصحاب.

وبذلك يتبيّن أنّ منشأ الإشكال غير تامٍّ من الأساس، لأنّ الروايات ناظرة إلى الأفراد لا إلى الكلي، والإستصحاب الجاري فيها هو استصحاب الفرد لا استصحاب الكلي. فالإشكال الذي وُجه إلى الشيخ الأعظم (قده) لا مورد له بهذا اللحاظ، وإن كان تقسيم الاستصحاب إلى كليٍّ وأفراده من حيث الصناعة الأصولية مفيداً، إلا أنّه – بحسب تتبّع السيد الحكيم (قده) – نادر التطبيق فقهاً.

ولذلك قال (قده): "لكن لا يبعد عدم ترتب الثمرة المذكورة"([1] ).

توضيح مقصوده (قده):

إنّ الأعلام ذكروا أنّ بين مبنى الشيخ الأعظم (قده) ومبنى غيره ثمرةً عملية، وهي ما إذا نام المكلّف ثم استيقظ فاحتمل وجود المني، فهل يكتفي بالوضوء أم يجب عليه الغسل أيضًا؟

فبناءً على مبنى الشيخ الأعظم (قده) القائل باستصحاب كليّ الحدث، يلزم الجمع بين الوضوء والغسل، لأنّ استصحاب الكلي يعني بقاء الجامع بين الحدثين، فيحتمل أن يكون الباقي هو الحدث الأكبر، فلا يكتفي بالوضوء وحده.

أمّا بناءً على ما أفاده سائر الأعلام الذين أنكروا جريان استصحاب الكلي في المقام، واكتفوا باستصحاب الفرد (أي الحدث الأصغر)، فالمكلّف يقتصر على الوضوء فقط دون الغسل. لكن السيد الحكيم (قده) بعد تحليل المسألة قال: "لا يبعد عدم ترتب الثمرة المذكورة"؛ أي إنّ هذا الفرق العملي الذي صوّره الأعلام بين القولين ليس بوجيهٍ في نظره، لأنّ أصل الإشكال في جريان استصحاب الكلي في المقام غير تام، كما تقدم بيانه منه (قده).

فمنشأ الخلاف بين الشيخ الأعظم وغيره لا يُثمر ثمرةً عملية حقيقية في هذا المورد، إذ الأثر في الحقيقة ليس مترتباً على الكلي حتى يُتصوَّر اختلاف الحكم، بل هو للأفراد الخاصة من الحدث، وعليه تنتفي الثمرة المتوهَّمة.

ثم أردف (قده) قائلاً: "لأنّ المستفاد من النصوص الشرعية في الأحداث كون الحكم وارداً عليها بخصوصياتها، لا على العنوان الكلي، لعدم أخذ كليّ الحدث في الأدلّة بعنوانه موضوعاً للمانعيّة، فيكون كلّ حدثٍ بنفسه موضوعاً للمانعيّة على نحو العموم الاستغراقي".

وحاصل مراده (قده):

أنّ النصوص الشرعية الواردة في بيان نواقض الطهارة – كالنوم، والبول، والغائط، والريح، والاستحاضة، والجنابة – كلّها نصّت على أفراد الأحداث بعناوينها الخاصة، لا على جامعٍ كليٍّ بينها بعنوان "الحدث" المطلق. فكلّ حدثٍ من هذه الأحداث قد جعل الشارع بنفسه وخصوصه مانعًا من الصلاة وسائر مشروطات الطهارة، من دون أن يجعل عنوان "كليّ الحدث" موضوعًا للحكم.

ومن هنا أفاد (قده) أنّ المانعية ثابتة لكل فردٍ على حدةٍ بنحو العموم الاستغراقي، أي أنّ كل حدثٍ مستقلٌّ في ترتب الحكم عليه، لا أنّها مانعية واحدة مترتبة على جامعٍ كليٍّ بينها. فالنوم بنفسه مانع من الصلاة، والبول بنفسه مانع، وكذلك سائر الأحداث، لا أنّ المانع هو "الحدث بما هو حدث" ليترتب الأثر على الكلي.

وعليه، يتبيّن وجه ما تقدّم من إنكاره لترتب الأثر على الكلي، إذ لا مورد في الأدلة لكون كليّ الحدث هو المأخوذ في لسان الدليل موضوعًا للحكم بالمانعية، بل الأثر ثابتٌ للأفراد بعناوينها الخاصة. فالأثر العملي – وهو بطلان الصلاة أو وجوب الطهارة – إنّما يترتب على خصوصيات كلّ حدثٍ بعينه، لا على الكلي الجامع بينها. فبذلك يظهر أن الإشكال الذي بُني على استصحاب كليّ الحدث ينتفي من أساسه؛ لأنّ فرض الأثر على الكلي غير ثابتٍ شرعاً، وإنما الأثر على كلّ فردٍ من أفراد الحدث بخصوصه.

ثم استشهد (قده) بقوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ… وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾([2] )

وحاصل مقصوده (قده): أنّ ظاهر هذه الآية المباركة – في بادئ النظر – قد يُفهم منه أنَّ المكلَّف كلّما أراد القيام إلى الصلاة وجب عليه الوضوء، أي أنّ القيام إلى كل صلاة مشروط بوضوءٍ جديدٍ، حتى لو كان على طهارةٍ سابقة. وهذا هو الفهم الذي ذهب إليه بعض العامة، ففسّروا الآية على إطلاقها بأنّ كلّ قيامٍ إلى الصلاة يقتضي الوضوء، سواء أحدث المكلّف أم لم يحدث نعم حملوا الأمر فيه على الندب كما نقل.

غير أنّ هذا الفهم أثار إشكالاً عند بعض السائلين في زمن الأئمة (عليهم السلام)، فوردت رواياتٌ تُبيّن المراد الصحيح من الآية. ففي إحدى الروايات سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن معنى قوله تعالى: "إذا قمتم إلى الصلاة…"، مما يدل على أنّ مورد السؤال كان مورد إبهامٍ واشتباهٍ في الفهم، إذ لو كان المعنى واضحًا عند الجميع لما احتيج إلى السؤال عنه.

فالسائل كان يتصوّر أنّ معنى الآية هو: أنّ كل من قام للصلاة مأمور بالوضوء مطلقاً، فسأل الإمام (عليه السلام) عن المراد منها لرفع هذا الاشتباه.

ثم بعد ذلك سنتعرض لبيان كلام الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير الآية لتوضيح المراد منها بدقة.

ثم قال (قده): "فإن المراد القيام من النوم، كما في موثق ابن بكير…"([3] )

توضيح مراده (قده): أشار (قده) إلى أن هذه الرواية التي اعتمدها في الاستدلال مأخوذة من الوسائل، وقد نقلها صاحب الوسائل عن التهذيب للشيخ الطوسي. ومن المعلوم أن صاحب الوسائل كثيراً ما يذكر السند ثم يعطف بروايات أخرى بعبارة "وعنه"، أي عن الذي تقدّم ذكره في السند، غير أن بعض المواضع تحتاج إلى دقةٍ في فهم تركيب السند بحسب ما هو في التهذيب نفسه، لأن الصياغة في

الوسائل قد تختصر أو تختلف عن أصلها في الكتب الأربعة.

أمّا نص الرواية في الوسائل فهو: "وعنه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أُذينة، عن ابن بكير قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): قوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة}، ما يعني بذلك؟ قال: إذا قمتم من النوم. قلت: فينقض النوم الوضوء؟ قال: نعم، إذا كان يغلب على السمع ولا يسمع الصوت."

فهذه الرواية تتضمن جانبين أساسيين:

الأول: تفسير الآية المباركة: حيث فسّر الإمام الصادق (عليه السلام) قوله تعالى ﴿إذا قمتم إلى الصلاة﴾ بأنه بمعنى القيام من النوم، لا مطلق القيام إلى الصلاة كما فهم بعض العامة، فدلّت الرواية على أنّ مورد الخطاب في الآية هو القيام من النوم لا مطلق القيام.

الثاني : بيان أنّ النوم ناقض للوضوء: إذ صرّح الإمام (عليه السلام) بأن النوم بنفسه ناقضٌ للوضوء إذا كان بحيث يغلب على السمع فلا يسمع صاحبه الأصوات، بخلاف بعض فقهاء العامة الذين ذهبوا إلى أنّ النوم ليس ناقضاً في نفسه، وإنما هو ظرفٌ لتخلل النواقض الأخرى، كخروج الريح أو البول أو المني أثناء النوم، فإن حصل شيء من ذلك بطل الوضوء، وإلا فلا.

أمّا في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، فالنوم بنفسه يُعدّ حدثاً مستقلاً وناقضاً للوضوء، كما دلّت عليه هذه الرواية الموثقة وغيرها من النصوص.

وأمّا من جهة السند، فإن الرواية وردت على النحو التالي:"وبهذا الإسناد، عن الحسين بن سعيد،([4] ) وقد ذكر الشيخ اسناده إلى الحسين بن سعيد في الرواية المذكورة قبل الرواية موضوع البحث وهو ما أخبره به الشيخ يقصد به المفيد عن أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى، و عن الحسين بن الحسن بن أبان جميعاً، عن الحسين بن سعيد…"

وموضع الدقة هنا أن كلمة "جميعاً" تقتضي اشتراك كلٍّ من أحمد بن محمد بن عيسى والحسين بن الحسن بن أبان في الرواية عن الحسين بن سعيد، من دون الحاجة إلى تكرار "وعن»"، لأنّ ذكر "جميعاً" يُغني عنها. فزيادة كلمة "وعن" في

بعض النسخ في غير محلّها.

والكلام من جهة السند ، ليس إلا في الحسين بن الحسن بن أبان ، وهو لم يوثّقه الأعلام صراحةً، إلا أن جماعةً من المحققين اعتبروا عدم توثيقه غير مضرّ لكونه من شيوخ الإجازة، أي ممّن يروون الكتب ولا يتدخلون في مضمونها، فدورهم تشريفي في إيصال الرواية عن المؤلفين. فوجوده في السند لا يقدح في الاعتبار، ولا سيما مع كون الرواية منقولةً في كتبٍ معروفة مشهورة خالية من مظنة التدليس .

بل حتى لو تنزّلنا عن هذا، فإنّ وجود أحمد بن محمد بن عيسى – وهو من الثقات الأجلاء – كافٍ في تقويم السند، إذ إنّ كليهما يروي عن الحسين بن سعيد، فلا إشكال في تمامية السند على هذا الوجه.

وعليه، فالرواية موثقة السند، واضحة الدلالة، خالية من الخلل، وتُعدّ دليلاً صريحاً على أنّ النوم بنفسه ناقضٌ للوضوء، كما بيّنه الإمام (عليه السلام) في تفسير الآية المباركة.

ثم انتقل (قده) بعد ذلك إلى نصوصٍ أخرى من نصوص الأحداث، فقال:

"وبعض نصوص الأحداث، كقوله (عليه السلام) – في صحيح يونس، في بيان الوضوء المفترض لمن جاء من الغائط أو بال –: يغسل ذكره، ويذهب الغائط، ويتوضأ مرتين مرتين."([5] )

وحاصل مراده (قده): إنّ هذه النصوص ـ كصحيح يونس وغيره ـ تُبيّن بوضوح أنّ الأثر الشرعي مترتّب على الأفراد الخاصة من الأحداث، لا على عنوان "الحدث" بما هو كليّ، فالإمام (عليه السلام) في هذا الحديث يبيّن حكم من بال أو تغوّط، فيأمره بغسل الموضع ثم بالوضوء، وهذا ظاهر في أنّ الحكم متعلّق بخصوص حدث البول أو الغائط، لا بعنوان "كلي الحدث".

وعليه، يستفاد من مجموع هذه الروايات أن ما ذهب إليه سيدنا الأستاذ (قده) من أنّ أصل الإشكال الوارد على الشيخ الأعظم (قده) ليس له موجب عملي كلامٌ دقيق، لأنّ هذا الإشكال – وإن كان له وجهٌ صناعيٌّ علمي في البحث الأصولي – إلا أنّه من حيث التطبيق الفقهي لا أثر له، إذ لم يرد في الأدلة أثرٌ شرعيٌّ مترتب على كليّ الحدث. فكل الروايات إنّما تعرّضت للأحداث الجزئية بخصوصياتها: كالحدث الناشئ من النوم، أو من البول، أو من الغائط، أو من الريح، وكلها أحداث مبيّنة بعناوينها الخاصة في النصوص.

فمن هنا يقول (قده): لا وجه لبقاء الإشكال، لأنّ محلّه العلمي غير متحقق عملياً. فلو سلّمنا بجريان استصحاب الكلي، أو لم نسلّم به، فالثمرة العمليّة واحدة، إذ الأثر الشرعي في كلا الحالين مرتّب على الأفراد الخاصة لا على الجامع الكلي.

وبعبارة أخرى: حتى لو فُرض احتمالُ وجود الحدث الأكبر (كالجنابة)، فإنّ الأصل الموضوعي – وهو أصالة عدم الجنابة – كافٍ في نفيه، وبذلك لا يبقى إلا الحدث الأصغر (النوم)، فيرفع بالوضوء فحسب، من دون حاجة إلى افتراض استصحاب الكلي أو إعماله.

وهذا المعنى، هو ما سيعتمده المحقق النائيني (قده) لاحقاً في توجيه الجواب، غير أنّ بعض تلامذته سيوردون عليه اعتراضات دقيقة في محله، كما سيأتي تفصيله لاحقاً إن شاء الله تعالى . وللكلام بقية ..

 


[1] - المحكم في أصول الفقه، ج‌٥، ص‌٢١٠.
[2] -المائدة: ٦.
[3] - الوسائل، ج‌١، باب: ٣ من أبواب نواقض الوضوء، حديث: ٧.
[4] - في التهذيب ج‌١، ص‌٧.
[5] - الوسائل، ج‌١، باب: ٩ من أبواب أحكام الخلوة، حديث: ٥.
logo