« فهرست دروس
الأستاذ السيد احمد الصافي
الأصول

47/04/13

بسم الله الرحمن الرحيم

القسم الثالث/أصالة الاستصحاب /الأصول العملية

 

 

الموضوع: الأصول العملية/أصالة الاستصحاب /القسم الثالث

ما زال الكلامُ في استصحاب الكلّي من القسم الثالث. وقد تقدَّم الكلام في بيان حقيقة هذا القسم، ثمّ تعرّض لحكمه.

وقد قسَّم الشيخُ الأعظم (قده) هذا القسم إلى صورتين:

الصورة الأولى: أن نحتمل وجود الكلّي مع الفرد المعلوم الارتفاع.

مثال ذلك: نعلم أنّ الكلّي (الإنسان) كان متحقّقاً بزيد، ثم خرج زيد من الدار، فنشكّ في أنّه هل كان معه فرد آخر – كعمرو – أم لا؟ أي إنّنا متيقّنون سابقاً بوجود الكلّي (الإنسان) في ضمن زيد، ونشكّ في بقاء ذلك الكلّي لاحتمال وجود فرد آخر له.

الصورة الثانية: نعلم أنّ زيداً قد خرج، ولكن نحتمل في نفس آن الخروج أنّ عمراً قد دخل، أو أنّه تبدّل إلى حالة أخرى مغايرة للحالة الأولى.

ثُمّ فصّل الشيخ الأعظم (قده) بين الصورتين:

في الصورة الأولى: يرى أنّ أركان الاستصحاب تامّة، إذ عندنا يقين بوجود الكلّي سابقاً، وشك في بقائه لاحقاً، فيجري الاستصحاب.

في الصورة الثانية: لا يرى جريان الاستصحاب؛ لأنّ الشك هنا ليس في البقاء بعد اليقين بالحدوث، بل هو شكٌّ في أصل الحدوث بالنسبة للفرد الآخر المحتمل، ومع عدم اليقين بالحدوث لا موضوع للشك في البقاء، فينتفي ركن أساس من أركان الاستصحاب، فلا يجري.

وبهذا يكون الشيخ الأعظم قد توسط بين من ذهب إلى الجريان مطلقاً، وبين من ذهب إلى عدم الجريان مطلقاً، فاختار التفصيل الذي مرّ بيانه.

ثمّ انتقل الشيخ الأعظم (قده) إلى بيان حكم القسم الثالث بقوله: "أمّا بتبدّله…". وقد استثنى في هذا المقام صورةً واحدةً من عدم جريان الاستصحاب، وهي: إذا كان التبدّل – بنظر العرف – يُعَدُّ امتداداً للفرد الأوّل لا وجوداً جديداً منفصلاً عنه.

وضرب (قده) لذلك مثالا حسّيّاً: كما لو كان هناك سواد شديد ثمّ ارتفع هذا السواد الشديد، فنشكّ في أنّه هل بقي سوادٌ أخفّ أو لا؟ فهنا الشك ليس بين السواد الشديد والسواد الخفيف من أوّل الأمر، بل نحن نعلم بارتفاع السواد الشديد قطعاً، ونحتمل بقاء درجة أخفّ منه. والعرف يرى – في مثل ذلك – أنّ السواد الخفيف امتداد للسواد الشديد لا أمراً جديداً مستقلاً.

وعليه، في مثل هذه الصورة لا مانع من جريان استصحاب الكلّي؛ لأنّ العرف يلحظ الفرد اللاحق مع الفرد السابق بوصفهما مستمرّاً واحداً.

ومن هنا قال الشيخ الأعظم (قده) في:

"ويُستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني ما يتسامح فيه العرف فيعدّون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد، مثل: ما لو عُلم السواد الشديد في محلّ وشُكّ في تبدّله بالبياض أو بسواد أضعف من الأوّل"[1] .

وبهذا يظهر أنّ الشيخ الأعظم – بعد أن حكم بعدم الجريان في الصورة الثانية – استثنى هذه الحالة التي يتسامح فيها العرف ويرى الاستمرار، فأثبت فيها جريان استصحاب الكلّي.

وهذا له نظير في باب الأحكام الشرعية: بناءً على القول بأنّ الوجوب مرتبة شديدة من الطلب، والاستحباب مرتبة أضعف من ذلك الطلب، يكون الانتقال من الوجوب إلى الاستحباب (أو العكس) تغيّراً في الدرجة لا في الحقيقة.

فكما يُعدّ السواد الخفيف عرفاً امتداداً للسواد الشديد، كذلك يمكن – على هذا المبنى – أن يُعدّ الاستحباب امتداداً للوجوب أو العكس، باعتبار أنّ كليهما طلب ولكن بدرجتين مختلفتين من الشدّة.

وعلى هذا الأساس يكون رأيُ الشيخ الأعظم (قده) أنّ الاستصحاب لا يجري في القسم الثاني، وإنّما يجري في القسم الأوّل؛ لأنّ أركانه هناك تامّة: اليقين السابق بوجود الكلّي، والشكّ اللاحق في بقائه.

نعم، قد استثنى (قده) صورةً خاصةً من القسم الثاني، وقال بجريان الاستصحاب فيها، وهي ما يتسامح فيه العرف ويرون فيه أنّ الكلّي امتداد للفرد الأوّل لا فردٌ جديد منفصل عنه.

ومثاله الذي ذكره (قده): السواد الشديد والسواد الخفيف، حيث إذا ارتفع السواد الشديد وشُكّ في بقاء سواد أخفّ، فإنّ العرف يعدّ هذا السواد الخفيف امتداداً للسواد الشديد لا أمراً مغايراً، فيجري استصحاب الكلّي في هذه الصورة.

وقد يُثار هنا سؤالٌ طبيعي: ما هي ثمرة هذا البحث؟ إذ من المعلوم أنّ كلّ هذا التدقيق في تقسيمات الاستصحاب لا بدّ أن تكون له نتائج عملية في الفقه، وإلّا لَما كان لهذا التفصيل كثير جدوى.

ولذلك قيل: "علم الأصول منطق الفقه"[2] . فالتقسيمات والتحليلات الأصوليّة هي بمنزلة المنطق الذي يضبط حركة الفقه واستنباطه، ولذا لا بدّ من وجود ثمرة فقهية لهذه المباحث، وستأتي الإشارة إلى تلك الثمار في موضعها إن شاء الله تعالى.

كما أنّ هناك إشكالاً على الشيخ الأعظم (قده) في هذا التفصيل سيُبحث لاحقاً إن شاء الله تعالى.

ثمّ جاء السيّد اليزدي (قده) في حاشيته على الرسائل، فذكر كلاماً دقيقاً في هذا الباب؛ فبعض عباراته تتضمّن نقضاً على الشيخ الأعظم (قده) واعتراضاً على تفصيله بين الصور، وبعضها الآخر يُعَدُّ تحقيقاً لأصل المطلب وتوضيحاً له.

وبهذا يكون كلام السيّد اليزدي (قده) قد جمع بين النقد من جهة والتحقيق من جهة أخرى.

فقال(قده) السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (قده):

"قوله: وجوه أقواها الأخير – يعني التفصيل –. لازم ما اختاره من التفصيل جريان الاستصحاب في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلالي"[3] .

وحاصل كلامه (قده): أنّ الشيخ الأعظم (قده) بعد أن فرغ من بيان القسم الثالث من استصحاب الكلّي، قسّمه إلى قسمين:

القسم الأوّل: كما لو احتملنا وجود الفرد الثاني مع الفرد الأوّل منذ البداية، كما لو علمنا يقينًا أنّ في الدار إنسانًا هو زيد، ثم خرج زيد من الدار، لكن نشكّ هل كان هناك عمرو في الدار من أوّل الأمر مع زيد أم لم يكن؟

القسم الثاني: كما لو احتملنا أنّ زيداً قد خرج ودخل عمرو بعده.

وعليه، فالشيخ الأعظم قائلٌ بالتفصيل بين هاتين الصورتين. غير أنّ السيّد اليزدي (قده) يرى أنّ لازم هذا التفصيل هو القول بجريان الاستصحاب في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلالي، وهذا إشكالٌ على الشيخ الأعظم.

فإذن:

من قال بالجريان مطلقاً يرد عليه أيضاً نقض السيّد اليزدي (قده).

أمّا من لم يقل بالجريان أصلاً فلا يتوجّه إليه هذا الإشكال.

أمّا الإشكال الأوّل (النقض) الذي أورده السيّد اليزدي (قده):

قال (قده) - عند النقض على الشيخ الأعظم-:

"جريان الاستصحاب في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلالي".

توضيح مراده:

عندنا أقلّ وأكثر ارتباطي، وعندنا أقلّ وأكثر استقلالي، والفرق بينهما مذكور في مبحث الاشتغال.

فالسيّد اليزدي هنا يُشكل ـ أصوليًّا ـ على الشيخ الأعظم بما أفاده في استصحاب الكلّي، مع أنّ الفقهاء في مقام الفتوى لا يلتزمون بهذا الجريان.

أمّا مثاله الذي ذكره (قده): "كما إذا دار الأمر بين كونه مديونًا بدرهم أو درهمين".

في هذا المثال يكون الكلي المستصحَب هو عنوان الدين:

نحن نشك منذ البداية: هل هو مديون بدرهم أم بدرهمين؟

فإذا أدّى الدرهم المعلوم اشتغال ذمّته به، يمكن ـ بناءً على رأي الشيخ الأعظم في استصحاب الكلّي ـ أن نستصحب بقاء الدين لاحتمال أنّ هناك درهمًا ثانيًا لم يُوفَّ.

النقض الثاني على الشيخ الأعظم (قده): قال السيّد اليزدي (قده): "وكما إذا عُلِم بأنّ عليه قضاء الفائتة وتردّد بين واحدة وألف أو أقلّ أو أزيد، يجري استصحاب كليّ القضاء عليه بعد أداء القدر المعلوم".

 

توضيح مراده:

هذا أيضًا نقضٌ آخر على الشيخ الأعظم؛ لأنّ لازم مبناه في استصحاب الكلّي ـ بناءً على امتداد الكلّي في فرد آخر ـ أن يُقال بجريان الاستصحاب في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلالي، ومنه مسألة قضاء الفوائت.

مثاله: لو علم المكلّف بأنّ في ذمّته قضاء صلاة، ولكن تردّد هل هي خمس صلوات أو أكثر؟

القدر المتيقَّن هو الخمس صلوات، فيجب عليه قضاء هذه الخمس.

وأمّا الزائد على الخمس، فالأصل عند الفقهاء إجراء أصل البراءة عنه؛ لأنّه مشكوك في الذمّة استقلالًا.

ولكن، بناءً على رأي الشيخ الأعظم في استصحاب الكلّي، يمكن القول هنا: بعد أداء القدر المعلوم (الخمس صلوات) نستصحب بقاء الكلّي في الذمّة (عنوان القضاء)، فيثبت بقاء قضاء آخر في الذمّة.

وهذا يؤدّي إلى تقديم الاستصحاب على البراءة في مثل هذه الموارد.

النقض الثالث على الشيخ الأعظم (قده): قال السيّد اليزدي (قده): "وكما لو عُلِم بأنّه مُحدِث بالحدث الأصغر ويُحتَمل كونه مُحدِثًا بالحدث الأكبر أيضًا، فإذا توضّأ يجري في حقّه استصحاب بقاء كلّي الحدث، وهكذا، وهو كما ترى".

توضيح النقض:

هذا النقض هو المثال الأشهر الذي أورد على الشيخ الأعظم (قده)، وصار موضع نقاش واسع بين الأعلام. وصورته: المكلّف يعلم أنّه مُحدِث بالحدث الأصغر (كالنوم)، لكنّه يحتمل أنّه أحدث أيضًا بالحدث الأكبر (كالجنابة).

فإذا توضّأ، فقد ارتفع عنه الحدث الأصغر يقينًا، لكنّه يبقى يحتمل بقاء الحدث الأكبر. فبناءً على مبنى الشيخ الأعظم في استصحاب الكلّي، يمكن هنا استصحاب بقاء "كلّي الحدث" بعد الوضوء، لكوننا كنّا متيقّنين به سابقًا (حدث أصغر قطعًا، وربّما حدث أكبر أيضًا)، ونشكّ الآن في بقائه.

لكن السيّد اليزدي (قده) ـ بعبارة "وهو كما ترى" يُلمح إلى أنّ هذا الالتزام غير مقبول عمليًا، إذ لا أحد من الفقهاء يفتي بجريان الاستصحاب في مثل هذه الموارد؛ تمامًا كما لم يلتزموا به في المثالين السابقين (المديون، قضاء الفوائت).

مختار السيّد اليزدي (قده): قال (قده): "وتحقيق الحال أن يُقال بصحّة إجراء استصحاب الكلّي في هذا القسم أيضًا بكلا قسميه، كالقسمين الأوّلين".

توضيح كلامه:

هذا يعني أنّ السيّد اليزدي (قده) من القائلين بجريان الاستصحاب مطلقًا في

الكلّي، سواء في القسم الأوّل أو القسم الثاني من القسم الثالث، خلافًا للشيخ الأعظم الذي فصّل بينهما. فاليزدي يرى أنّ الاستصحاب يجري في جميع هذه الصور، ولا يلتزم بالتفصيل.

نتيجة هذا الموقف:

بما أنّه قائلٌ بالجريان مطلقًا، فإنّ الإشكالات والنقوض التي سبق أن وجّهها إلى الشيخ الأعظم ـ مثل استصحاب الدين في الأقلّ والأكثر، واستصحاب قضاء الفائتة، واستصحاب كلّي الحدث بعد الوضوء ـ تتوجّه إليه أيضًا؛ لأنّها من لوازم القول بالجريان المطلق.

لكن السيّد اليزدي (قده) ـ مع ذلك ـ سيُجيب عن هذه الإشكالات ليبقى محافظًا على القول بجريان الاستصحاب في جميع الموارد.

جواب السيّد اليزدي (قده) عن الإشكالات:

قال (قده): "بمعنى أنّ ميزان جريان الاستصحاب تامّ في الجميع على نسق واحد، وإن كان في بعض موارده يوجد أصل حاكم على استصحاب الكلّي، وهذا غير مخلّ بما نحن بصدده".

 

توضيح كلامه:

السيّد اليزدي (قده) يقرّر أنّ أركان الاستصحاب في الكلّي متحقّقة في جميع الأقسام، فلا فرق في الميزان بين القسمين الأوّل والثاني من القسم الثالث. إذن هو متمسّك بالقول بـ جريان الاستصحاب مطلقًا.

غير أنّه يلتفت إلى أنّ بعض الموارد قد يوجد فيها أصلٌ حاكم على الاستصحاب، وهذا لا ينافي أصل القول بالجريان، بل يعني أنّ الاستصحاب في نفسه جارٍ، ولكنّه يُرفع اليد عنه لوجود أصلٍ شرعيّ آخر أقوى يحكم عليه.

معنى الأصل الحاكم هنا:

في مثال الدين: بعد أداء الدرهم المتيقّن يمكن أن نجري أصل "عدم إشغال الذمّة بالدرهم الثاني" (أصل البراءة عن الذمّة) وهو أصل حاكم يقدَّم على استصحاب كليّ الدين.

في مثال الحدث: بعد الوضوء يمكن أن نجري أصل "عدم إشغال الذمّة بحدث الجنابة" (أصل العدم) وهو أصل حاكم يقدَّم على استصحاب كلّي الحدث.

وبذلك يكون السيّد اليزدي قد فرّ من الإشكالات التي وجّهها هو نفسه على الشيخ الأعظم؛ إذ هو يُبقي على أصل القول بجريان الاستصحاب مطلقًا، لكنّه يقول: في موارد وجود أصل حاكم يُقدَّم ذلك الأصل على الاستصحاب، لا أنّ الاستصحاب غير جارٍ في نفسه.

دليل السيّد اليزدي (قده) على جريان استصحاب الكلّي مطلقًا: بعد أن اختار السيّد اليزدي (قده) القول بجريان استصحاب الكلّي في جميع الأقسام، استعرض أربع صور لبيان حقيقة بقاء الكلّي الطبيعي في الخارج؛ ليُمهِّد بها إلى تطبيق الاستصحاب تعبّداً. وهذه طريقة معروفة في صناعة البحث الأصولي؛ إذ كثيراً ما يُمَهِّد الأعلام ـ كما صنع الآخوند الخراساني فقال "وتحقيق الحال يستدعى رسم امور ..."[4] .

أمّا الصور الأربع التي ذكرها (قده):

الصورة الأولى: أن يوجد الكلّي أوّلاً في ضمن فرد معيّن ويبقى ذلك الفرد بعينه.

مثال: وجود الإنسان في ضمن زيد وبقاء زيد نفسه؛ فيصدق بقاء الكلّي كما يصدق بقاء الفرد نفسه، وهذا واضح.

الصورة الثانية: أن يوجد الكلّي أوّلاً في ضمن فرد، ثم بعد حين يوجد في فرد آخر أيضًا حتى يكون موجودًا في ضمن فردين معًا، ثم يفرض انعدام الفرد الأوّل وانحصار الكلّي في الثاني، ثم يوجد فرد ثالث فيكون الكلّي في ضمنه وهكذا.

فيصدق بقاء الكلّي من حين وجود الفرد الأوّل إلى آخر زمن بقاء الفرد الأخير حقيقة، بلا تجوّز؛ كما يصدق أن وجود الإنسان باقٍ من عهد آدم (عليه السلام) إلى يومنا هذا حقيقة.

الصورة الثالثة: أن يوجد الكلّي في فرد، ثم يوجد في فرد آخر مقارنًا لانعدام الفرد الأوّل، ثم يوجد في ثالث مقارنًا لانعدام الثاني وهكذا.

فيصدق بقاء الكلّي بنفسه من الأوّل للتالي؛ كما في مثال النجاسة على الثوب: يتنجس الثوب، ثم يُغسل لكن تتنجّس ثانية بالبول في زمان تمام الغسل بحيث يتعاقب الحدوث والانعدام، ثم يغسل ثالثًا وهكذا. يصدق أنّ النجاسة باقية حقيقة من الأوّل للتالي.

الصورة الرابعة: أن يوجد الكلّي أوّلاً في ضمن فرد ثم يتبدّل ذلك الفرد بفرد آخر مباين، ثم يتبدّل ثانية وهكذا من غير تخلّل العدم بين الأفراد.

فيصدق أنّ الكلّي باقٍ مع اختلاف الصور النوعية؛ كما في مثال الحيوان في الدار: يموت فيصير جمادًا (لحمًا وعظمًا)، ثم ينقلب ملحًا ثم ماءً، ومع ذلك يصدق بقاء "كليّ الجسم" بما هو جسم في الدار وإن تغيّرت الأنواع.

النتيجة التي أرادها (قده):

بعد هذا التمهيد قال (قده):

"إذا تمهّد ذلك فنقول: لمّا كان بقاء الكلّي من حيث كليته صادقًا حقيقة في جميع الأقسام المذكورة عند العلم بواقعه، فلو شك في بقاء الكلّي بأحد الأنحاء المذكورة فلا مانع من استصحابه والحكم ببقائه تعبّدًا على ذلك النحو من البقاء بأخبار الاستصحاب لتمامية أركان الاستصحاب حينئذ".

أي أنّ هذه الصور الأربع أراد بها أن يثبت أنّ الكلّي بحسب الواقع باقٍ على نحو الامتداد في جميع هذه الحالات بلا تجوّز ولا مسامحة، وأنّ العرف يلحظ البقاء. فإذا انتقلنا إلى الحالة التعبدية (الاستصحاب):

الركن الأوّل (اليقين السابق بالكلّي) موجود.

الركن الثاني (الشك في بقائه) موجود.

وعليه لا مانع من جريان الاستصحاب تعبّدًا في جميع الصور المذكورة، ومن جملتها صورة القسم الثالث، فيثبت بقاء الكلّي تعبّدًا.

خلاصة الدليل:

السيّد اليزدي (قده) مهّد بالصور الأربع ليبيّن أنّ الكلّي في نفسه بحسب الواقع له بقاء متّصل على نحو الامتداد في الأفراد، فإذا حصل عندنا يقين سابق به وشك لاحق في بقائه فـالاستصحاب يجري مطلقًا، ولا فرق بين أقسامه، حتى في القسم الثالث بنوعيه.

وللكلام بقية..


logo