47/07/01
بسم الله الرحمن الرحیم
إجمال الخاصّ من جهة الشبهة المصداقيّة/ الأمر الثاني /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الثاني / إجمال الخاصّ من جهة الشبهة المصداقيّة
النكتة الأخيرة في باب الإجمال المفهومي للخاصّ من جهة دوران الأمر بين متباينين هي أنّه بالنسبة إلى حجّيّة العامّ في حقّ الأفراد التي نقطع بعدم دخولها تحت الخاصّ، يجري نفس البيان المتقدّم في الفرض السابق؛ غاية الأمر أنّ أطراف العلم الإجمالي في هذا الفرض هي شمول عموم العامّ لغير الفرد الأوّل، وشموله لغير الفرد الثاني. وهذا العلم الإجمالي ينحلّ إلى علم تفصيلي بشمول الحكم لغير الفردين الأوّل والثاني، وإلى شكّ في شمول الحكم للفرد الأوّل أو للفرد الثاني. والنتيجة أنّ العامّ يكون مجملاً فقط في شموله للفرد الأوّل أو الثاني، أمّا في غير هذين الفردين فلا إبهام في شموله أصلاً وتكون حجّيّة العامّ في تلك الموارد ثابتة.
المطلب الثالث: إجمال الخاصّ من جهة الشبهة المصداقيّة
إذا كان المخصّص ذا إجمال مصداقي ـ كما لو قيل في دليل: «أكرم العلماء»، وفي دليل آخر: «لا تكرم الفسّاق من العلماء»، وكان هناك شكّ في مورد مثل «زيد العالم» في أنّه هل هو فاسق أم لا ـ فهل يمكن في مورد الشكّ التمسّك بعموم العامّ؟
قال الآخوند: إن كان المخصّص متّصلاً بالعامّ، فلا إشكال في عدم جواز التمسّك بالعامّ؛ لأنّ ظهور الكلام إنّما ينعقد في غير الفرد الخاصّ.
وأمّا إذا كان المخصّص منفصلاً، فغاية ما يستدلّ به القائلون بالجواز هو أنّ الخاصّ إنّما يعارض العامّ في المورد الذي يكون فيه حجّة بالفعل، وأمّا في الفرد الذي نشكّ في دخوله تحت الخاصّ أو لا، فالخاصّ لا يكون حجّة، وبناءً عليه لا يعارض العامّ، لأنّ غير الحجّة لا يقف في مقابل الحجّة.
لكن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنّ الخاصّ وإن لم يدلّ بالفعل على الحرمة في الفرد المشكوك، إلّا أنّه يستلزم تقييد حجّيّة العامّ بغير عنوان الخاصّ. فالفرد المشكوك وإن كان يعدّ من مصاديق العامّ، إلّا أنّه غير معلوم كونه من مصاديق العامّ من حيث کونه حجّة، لأنّ حجّيّة العامّ منحصرة في غير الفاسق.
والنتيجة أنّ العامّ الذي خصّص بمخصّص منفصل، وإن كان من حيث الظهور في العموم كالعامّ غير المخصّص ـ بخلاف ما إذا خصّص بالمخصّص المتّصل ـ إلّا أنّه من حيث الحجّيّة لا يكون معتبراً إلّا بالنسبة إلى غير عنوان الخاصّ.[1]
وقال السيّد الخميني في توضيح مدّعى الآخوند في المخصّص المنفصل: إنّ الاحتجاج بكلام المتكلّم لا يتحقّق إلّا بعد المرور بمراحل، من قبيل: تماميّة الظهور، وعدم الإجمال في المفهوم، وجريان «أصالة الحقيقة» ونحو ذلك. ومن جملة هذه المراحل إحراز أنّ إنشاء الحكم بالنسبة إلى الموضوع قد صدر على نحو جدّي، وإن تمّ ذلك بالتمسّك بأصل عقلائي.
ودخول التخصيص على العامّ كاشف عن أنّ إنشاء العامّ في مورد التخصيص لم يكن على نحو الجدّ. وبناءً عليه يكون أمر الفرد المشكوك دائراً بين حالتين: إمّا أن يكون مصداقاً للمخصّص فيدخل تحت الإرادة الجدّيّة لحكم الخاصّ، وإمّا أن لا يكون مصداقاً له فيدخل تحت الإرادة الجدّيّة لحكم العامّ بعد تخصيصه. ومع وجود مثل هذا التردّد لا أصل لإحراز أحد الطرفين، لأنّ هذا المورد يكون كالشبهة المصداقيّة بالنسبة إلى «أصالة الجدّ» في كلّ من دليلي العامّ والخاصّ.
هذا مضافاً إلی أنّ مجرّد العلم بعالميّة الفرد ودخوله تحت عنوان العامّ لا يوجب تماميّة حجّيّة دليل العامّ في حقّه؛ لأنّ مجرّد ظهور اللفظ وجريان «أصالة الحقيقة» لا يكفيان في تحقّق الحجّيّة، بل لابدّ من إحراز الإرادة الجدّيّة أيضاً بجريان «أصالة الجدّ». ومن هنا نرى أنّ كلام من اعتاد المزاح لا يصلح للاحتجاج، لا لعدم الظهور فيه ولا لعدم جريان «أصالة الحقيقة»، بل يبقى كلامه غير حجّة مع تحقّق کلا الأمرين، لعدم جريان «أصالة الجدّ» فيه.
وعليه فرفع اليد عن العامّ ليس لأجل رفع اليد عن الحجّة في مقابل غير الحجّة، بل يکون ذلك لأجل قصور الحجّيّة في نفس العامّ.[2]
وسنتابع نقد هذه المطالب ومناقشتها في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالی.