47/06/15
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی الشهيد الصدر/ الأمر الأوّل /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الأوّل / الإشکال علی مدعی الشهيد الصدر
ذكر الشهيد الصدر في معرض جوابه عن إشكال الآخوند على مدّعى الشيخ أنّ المتكلّم العاقل إنّما يقصد بكلامه إيصال مقصوده إلى ذهن المخاطب، وأنّ استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له من دون قرينة لا يحقّق هذا الغرض ولا يفي بالمقصود. ولذا ففي موارد فقدان القرينة، يكون مقتضى القاعدة أن يستعمل اللفظ في معناه الموضوع له. وهذا هو بالضبط الأساس الذي تقوم عليه «أصالة الحقيقة».
غير أنّ لهذا الأصل ظهورين:
الأوّل: أنّ اللفظ يستعمل لإحضار المعنى الموضوع له في ذهن السامع، لا لإحضار معنى أجنبيّ عنه. وهذا الظهور لا يدفع إلّا احتمال إرادة معنىً غريب عن الموضوع له، ولا يرفع احتمال إرادة جزء من المعنى.
الثاني: أنّ ما يرد إلى ذهن السامع من اللفظ هو بمقدار ما أراد المتكلّم إلقاءه بدقّة لا أكثر. وهذا الظهور هو الذي ينفي احتمال إرادة جزء من المعنى.
ففي المجاز بعلاقة المشابهة، يتعرّض الظهور الأوّل للإشكال أمّا في المجاز بعلاقة الكلّ والجزء، فيختلّ الظهور الثاني، بشرط أن يكون الاستعمال في ذات الجزء لا في الجزء بما هو مستقلّ بعنوان مقابل للكلّ.
ثمّ إنّ الظهور الثاني ـ الذي يرجع في الحقيقة إلى ظهور تطابق المدلول التصوّري مع المدلول الاستعمالي ـ قابل للانحلال؛ إذ استناداً إلى أصل عدم زيادة المدلول التصوّري على المدلول التصديقي الأوّل، يكون لكلّ جزء من المدلول التصوّري ما يناظره في المدلول الاستعمالي. وبناءً على ذلك فإنّ كلّ زيادة تفرض عليه، تعدّ مخالفة مستقلّة في حدّ ذاتها.
وبناءً على ذلك، فخلافاً لما ذهب إليه صاحب الكفاية من أنّ «أصالة الحقيقة» ذات ظهور بسيط، فإنّ هذا الظهور قابل للتبعيض والانحلال.[1]
أقول: إنّ محصّل مدّعاه هو أنّه لمّا كانت «أصالة الحقيقة» في موارد الاستعمال المجازي القائم على علاقة الكلّ والجزء قابلة للانحلال، فإنّه بعد العلم بأنّ العامّ لم يستعمل في تمام معناه الموضوع له وأنّ بعض أفراده قد خرجوا عنه بالمخصّص، فإذا شككنا في شمول العامّ للأفراد الباقية بعد التخصيص، أمكن ـ بالتمسّك بـ «أصالة الحقيقة» المنحلّة بعدد أجزاء العامّ الجارية في كلّ مرتبة بالإضافة إلى المراتب الأدنى منها ـ إثبات أنّه يشمل جميع الأفراد المتبقيّة.
ولکن يرد عليه أوّلاً: أنّ الدعوى بأنّ «أصالة الحقيقة» ذات ظهورين، دعوىً بلا دليل. والحقيقة أنّ هذا الأصل لا يثبت له إلّا ظهور واحد وهو ظهوره في استعمال اللفظ في معناه الموضوع له، وأمّا نفي الاحتمالين المذكورين فليس إلّا من لوازم هذا الظهور، لا أنّهما ظهوران مستقلّان ينسبان إلى «أصالة الحقيقة».
هذا کلّه بناءً على أن يكون مراده من الظهور الثاني نفي احتمال إرادة استعمال اللفظ في معنىً أقلّ من معناه الموضوع له. أمّا إذا كان مقصوده نفي الإرادة الجدّيّة للمتكلّم، فالصحيح أنّ «أصالة الحقيقة» لا صلة لها بهذا الأمر أصلاً؛ لأنّها إنّما تجري في مقام الکشف عن المراد الاستعمالي دون المراد الجدّي.
ثانياً: لو سلّمنا ما يدّعيه من وجود ظهورين في «أصالة الحقيقة» ومن إمكان انحلال الظهور الثاني في موارد الاستعمال المجازي بعلاقة الكلّ والجزء، لزم منه أنّه لو قال المتكلّم: «أكرم العلماء» وأراد من لفظ «العلماء» ثلاثة منهم فقط ـ مع فرض وجود مائة عالم واقعاً ـ لكان هذا الاستعمال صحيحاً حتّى من دون قرينة ولا يشعر بأيّ ركاكة؛ لأنّ «أصالة الحقيقة» ـ على مبناه ـ تجري في هذه المرتبة أيضاً، فيعدّ اللفظ مستعملاً في معناه الحقيقي لا في معنىً مجازي يحتاج إلى قرينة.
بل إنّ لازم كلامه أن تكون للّفظ الموضوع للكلّ، حقائق متعدّدة بعدد أجزاء ذلك الكلّ، وهو أمر واضح البطلان لا يمكن الالتزام به.
إن قلت: إنّ الحقيقة أمر تشكيكي ويمكن أن تكون لها مراتب.
قلت: إنّ مثل هذه الدقّة الفلسفيّة لا محلّ لها في الأُمور العرفيّة، فإنّ العرف يرى أنّ اللفظ إمّا قد استعمل في معناه الموضوع له فيكون الاستعمال حقيقيّاً، أو لم يستعمل فيه فيكون الاستعمال مجازيّاً. ولا يثبت عند العرف مراتب ودرجات لهذا التقسيم، ولا يتصوّر عنده أن يكون الاستعمال حقيقيّاً من جهة ومجازيّاً من جهة أُخرى.
وسنطرح بقيّة المطالب في الجلسة القادمة إن شاء الله.