47/05/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی الآخوند/ الأمر الأوّل /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / الأمر الأوّل / الإشکال علی مدعی الآخوند
تقدّم في صدر المسألة أنّ الآخوند فرّق بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل، فعدّ ورود الخاصّ على نحو الاتّصال غير داخل في باب التخصيص، بل موجباً لتضييق دائرة موضوع العامّ من الأصل.
إلا أنّ هذا المدّعى غير قابل للالتزام ولا يظهر في هذا المجال فارق جوهري بين ورود الخاصّ متّصلاً ووروده منفصلاً.
بيان ذلك: أنّ المدّعى عند الآخوند هو أنّه إذا ورد الخاصّ في دليل متّصل، كما لو قيل: «أكرم كلّ عالم إلا الفسّاق منهم»، فمفاده عنده بمنزلة قولنا: «أكرم كلّ عالم غير فاسق»، فيكون التقييد راجعاً إلى موضوع الحكم من البداية، من غير منافاة لوظيفة أدوات العموم؛ إذ ليس مفاد هذه الأدوات إلا استيعاب مدخولها لجميع أفراده، وأمّا شمول الحكم لغير تلك الأفراد فليس من مدلولها. وعليه فإذا كان المدخول مقيّداً من الأصل، انحصرت دلالة العموم بأفراد ذلك المدخول المقيّد.
غير أنّ الإشكال في هذا المبنى أنّ مجرّد ورود الخاصّ في دليل متّصل لا يوجب تقييد مدخول أداة العموم حقيقة بحيث تنقلب «أكرم كلّ عالم» إلى «أكرم كلّ عالم غير فاسق»، بل غايته أنّنا من خلال ورود التخصيص نعلم أنّ المراد الجدّي للمتكلّم عدم شمول حكم العامّ للأفراد الذين تناولهم الدليل الخاصّ.
وبناءً على ذلك لا يظهر وجه للتفصيل بين المخصّص المتّصل والمخصّص المنفصل من هذه الجهة، إذ كلاهما يؤدّيان إلى الكشف عن المراد الجدّي بعدم شمول حکم العامّ لتلك الأفراد. نعم، الفرق بينهما من حيث قوّة الظهور وضعفه، فإنّ الدلالة على هذا المعنى تكون في المخصّص المتّصل أقوى وأوضح.
ولإيضاح هذا المطلب على نحو أدقّ، يحسن بنا أن نمهّد بذكر التعريف الذي ذكره الأُصوليّون للمخصّص المتّصل والمنفصل.
قال عضدالدين الإيجی في شرحه لمختصر ابن الحاجب: «المخصّص ينقسم إلى متّصل ومنفصل، لأنّه إمّا أن لا يستقلّ بنفسه أو يستقلّ؛ والأوّل المتّصل والثاني المنفصل.
والمخصّص المتّصل خمسة: أ ـ الاستثناء المتّصل...ب ـ الشرط... ج ـ الصفة... د ـ الغاية... هـ ـ بدل البعض...
وأنت تعلم أنّ منها ما يُخرج المذکور، کالاستثناء والغاية، ومنها ما يُخرج غير المذکور، کالشرط والصفة والبدل.»[1]
وقال التفتازاني: «(فصل: قَصرُ العامّ على بعض ما تناوله لا يخلو من أن يكون بغير مستقلّ) أي: بكلام يتعلّق بصدر الكلام ولا يكون تامّاً بنفسه، والمستقلّ ما لا يكون كذلك، سواء كان كلاماً أو لم يكن.
(وهو) أي: غير المستقلّ (الاستثناء والشرط والصفة والغاية)؛ فالاستثناء يوجب قصر العامّ على بعض أفراده، والشرط يوجب قصر صدر الكلام على بعض التقادير... والصفة توجب القصر على ما يوجد فيه الصفة... والغاية توجب القصر على البعض الذي جعل الغاية حدّاً له...
(أو بمستقلّ)...
قوله: (فصل قصر العامّ على بعض ما تناوله) تخصيص عند الشافعيّة.
وأمّا عند الحنفية ففيه تفصيل؛ وهو أنّه إمّا أن يكون بغير مستقلّ أو بمستقلّ، والأوّل ليس بتخصيص، بل إن كان بـ «إلّا» وأخواتها فالاستثناء، وإلا فإن كان بـ «إن» وما يؤدّي مؤدّاها فشرط، وإلا فإن كان بـ «إلى» وما يفيد معناها فغاية، وإلا فصفة... أو غيرها... فعلم أنّه لا ينحصر في الأربعة.
والثاني هو التخصيص، سواء كان بدلالة اللفظ أو العقل أو الحسّ أو العادة أو نقصان بعض الأفراد أو زيادته.
وفسّر غير المستقلّ بكلام يتعلّق بصدر الكلام ولا يكون تامّاً بنفسه...
المراد بصدر الكلام ما هو متقدّم في الاعتبار، سواء قدّم في الذكر أو أُخّر، ولا يخفى أنّه لابدّ من اعتبار الشيء أوّلاً ثمّ إخراج البعض منه أو تعليقه وقصره على بعض التقادير.
والمراد بالكلام الغير التامّ ما لا يفيد المعنى لو ذكر منفرداً، والجمل الوصفيّة والاستثناء بمثل «ليس زيداً» و«لا يكون زيداً» كذلك، لاحتياجها إلى مرجع الضمير.»[2]
أقول: إنّ تعبير التفتازاني أدقّ من تعبير الإيجي، لأنّه بدلاً من تقسيم المخصّص إلى مستقلّ وغير مستقلّ، يقرّر أنّ تضييق دائرة العامّ بحيث لا يشمل جميع مصاديقه إمّا أن يحصل بدليل غير مستقلّ عن العامّ أو بدليل مستقلّ عنه. ثمّ يضيف أنّ كلا القسمين معدود عند أصحاب الشافعي من باب التخصيص، بينما حصر أصحاب أبي حنيفة التخصيص في القسم الثاني فحسب.
ففي الحقيقة إنّ ما حمل أصحاب أبي حنيفة على عدم عدّ المخصّص المتّصل ـ وفقاً لما اعتبروه مندرجاً تحت أقسامه ـ من أقسام المخصّص، هو أنّ أثر المخصّص المنفصل بناءً علی ذلك ينحصر في أحد أمرين: إمّا إخراج فرد أو أفراد من موضوع الحکم، وإمّا تقييد الحكم الوارد في الدليل بقيد من غير أن يكون لموضوعه عموم في نفسه.
غير أنّ التخصيص لا يكون ـ بحسب ضابطته لديهم ـ إلّا إخراج فرد أو أفراد من شمول حکم يكون موضوعه ذا عموم. ومن ثمّ رأوا أنّ ما كان على نحو الاتّصال لا يصدق عليه عنوان التخصيص، لعدم تحقّق الضابط المذكور فيه.
وأمّا ما ذكره الإيجي في شرحه فهو مبنيّ على ما تبنّاه أصحاب الشافعي، إذ كان هو من جملتهم.
وقد صرّح المحقّق الإيرواني في حاشيته على الكفاية بأنّ المراد من «المخصّص المتّصل» و«المخصّص المنفصل» ليس هو الاتّصال والانفصال الحسّي، بل اتّحاد الجملة وتعدّدها. فبناءً على ذلك تكون القيود والبدل من سنخ المخصّص المتّصل، بينما تعدّ الجمل ـ كقوله: «أكرم العلماء ولا تكرم زيداً» ـ بل حتّى الاستثناء، من سنخ المخصّص المنفصل.[3]
وبناءً على ذلك فإنّ تحديد المراد من المخصّص المتّصل والمنفصل يتوقّف على تبيين معنى التخصيص أوّلاً وهو ما سنتعرّض له في الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.