« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 إشکال المحقّق الخوئي علی مدعی الميرزا النائيني/ الأمر الأوّل /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / الأمر الأوّل / إشکال المحقّق الخوئي علی مدعی الميرزا النائيني

 

قلنا في الجلسة السابقة: إنّ الميرزا النائيني ذكر أنّ القول بعدم مطابقة «المراد الجدّي» لـ «المراد الاستعمالي» في خصوص الأدلّة الشرعية، غير قابل للالتزام، إذ يلزم منه كون الشارع في مقام الهزل.

غير أنّ من الواضح أنّ مثل هذا الادّعاء غير مقبول، لأنّ عدم مطابقة المراد الجدّي للمراد الاستعمالي لا يلازم بالضرورة كون المتكلّم في مقام الهزل، وإنّما يكون مقام الهزل أحد الموارد التي يتحقّق فيها ذلك ويذكر عادة مثالاً لتقريب معنى عدم التطابق، لا أنّ كلّ مورد ينتفي فيه التطابق، يلزم أن يكون المتكلّم فيه هازلاً. فإنّ من المعلوم أنّ المتكلّم قد يفتقد المراد الجدّي لأسباب مختلفة مع بقاء المراد الاستعمالي على حاله، کما إذا أنشأ عقداً تحت إلاكراه؛ فإنّه يقال: بما أنّ المراد الاستعمالي موجود، يصحّ العقد إذا لحقته الإجازة بعد ذلك. أمّا إذا فقد المراد الاستعمالي حين العقد ـ كما فيمن يتلفّظ به وهو نائم ـ فلا يمكن تصحيحه بالإجازة اللاحقة.

وعليه يمکن الالتزام بأنّ الشارع لجملة من الجهات التي قد يكون بعضها معلوماً لنا، قد يبتدئ ببيان الحكم على نحو العموم ـ وهو ما عبّر عنه الآخوند بـ «ضرب القاعدة» ـ مع كون مراده الجدّي خاصّاً، ثمّ يكشف عن مراده الجدّي بدليل آخر متضمّن للخاصّ.

ثمّ إنّ الميرزا النائيني قد حمل دعوی الآخوند علی أنّ العامّ وارد في مقام جعل قاعدة يعمل بها في موارد الشكّ. وبناءً علی ذلك أورد عليه بأنّه وإن كان العامّ قد يورد أحياناً لبيان الحكم في حال الشكّ وبعنوان القاعدة الكلّيّة ـ كأصل الاستصحاب وقاعدة الطهارة ـ إلّا أنّ التخصيص في مثل هذه الموارد نادر جدّاً، وغالباً ما يكون تقديم الأدلّة عليها من باب «الورود» أو «الحكومة».

وأمّا العمومات التي جعلت لبيان الأحكام الواقعيّة للأشياء بعناوينها الأوّليّة بحيث لا يكون لعلم المكلّف وجهله دخل فيها، فإنّ عمل العرف بها عند الشكّ ليس من باب أنّ تلك العمومات صادرة لجعل قاعدة في ظرف الشكّ، بل من جهة الاعتماد على ظهورها وكشفها عن الإرادة الواقعيّة للمتكلّم.

وبناءً على ذلك لا يمكن حمله هذه العمومات على ما ذكره الآخوند ولا عدّها مجرّد قواعد مجعولة لمرحلة الشكّ.[1]

ودفع السيّد الخوئي هذا الإشکال بقوله: إنّ المقصود من جعل القاعدة بواسطة العامّ ليس هو أنّ حكم العامّ مجعول للعمل به في ظرف الشكّ لكي يرد عليه هذا الإشكال، بل المراد أنّ الداعي لاستعمال العامّ في معناه الموضوع له مع أنّه مخالف للمراد الجدّي للمتکلّم هو مجرّد التشريع وتقنين القاعدة، بمعنى أنّ العامّ يبيّن مراد المتکلّم الجدّي ما لم تقم قرينة على التخصيص. وبناءً على ذلك فكلّما شكّ في التخصيص، يرجع إلى عموم العامّ.[2]

والحقّ في هذا الأمر مع السيّد الخوئي.

بيان ذلك: أنّه قد تكون جميع أفراد مفهوم ما ـ ما عدا أفراد معدودين ـ موضوعاً لحكم معيّن؛ كما لو كان إكرام جميع العلماء باستثناء جماعة قليلة منهم مطلوباً. وفي مثل هذه الحال يمكن العمل على أحد وجهين:

الأوّل: أن يجعل كلّ واحد من أولئك الأفراد موضوعاً للحكم في دليل مستقلّ؛ فنقول مثلاً: «أكرم زيداً العالم»، «أكرم عمراً العالم»، «أكرم بكراً العالم»… ومن الواضح أنّ هذا الأُسلوب غير مرضيّ عند العرف ولا يعدّ طريقاً مناسباً للبيان.

الثاني: أن يبيّن الحكم بصيغة قاعدة كلّيّة فيقال: «أكرم كلّ عالم»، ثمّ يخرج في دليل آخر بعض العلماء ـ الذين لا يكون إكرامهم مطلوباً ـ من تحت هذا العموم.

هذا الأُسلوب عرفيّ تماماً ولا إشكال في الالتزام به في الأدلّة الشرعية.

وليس المقصود من «بيان القاعدة» في هذا الأُسلوب أنّ المتكلّم بصدد جعل قانون يرجع إليه كلّما شكّ في أنّ فرداً ما من أفراد العامّ أو من أفراد الخاصّ لكي يرد عليه إشكال الميرزا النائيني، بل المراد أنّ المتكلّم لبيان مراده الجدّي يذکر الحكم أوّلاً بصيغة عامّة وبمثابة قاعدة كلّية، ثمّ يورد الخاصّ بعد ذلك ليکون قرينة على كشف المراد وتحديد حدوده.

وثمرة هذا البناء ـ كما أفاده السيّد الخوئي ـ أنّه كلّما شكّ في خروج مورد من مراد المتكلّم الجدّي ولم يقم دليل خاصّ على خروجه، يرجع فيه إلى عموم العامّ.

ونتابع بقيّة البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.

 


logo