47/05/11
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی المحقق الإصفهاني/ المقدمات /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / الإشکال علی مدعی المحقق الإصفهاني
تقدّم في الجلسة السابقة أنّ مدّعى الميرزا النائيني ـ من كون الجمع المحلّى باللام يدلّ بالوضع على العموم، مقبول ولا فرق في ذلك ـ خلافاً لما أفاده ـ بين كون «اللام» للعهد أو لغيره.
وقد يرد علی ما تقدّم بأنّه لا إشكال في أنّ أدوات العموم يمكن أن ترد على الجمع المحلّى باللام فيقال مثلاً: «كلّ العلماء» أو «جميع العلماء». فإذا كان الجمع المعرّف باللام دالّاً على العموم، فيجب الالتزم إمّا بأنّ دخول أدوات العموم عليه للتوكيد، وهو خلاف ظاهر الكلام، أو بدخول المماثل على المماثل، وهو محال.
والجواب: أنّ ورود أدوات العموم على الجمع المعرّف باللام ليس لأجل إفادة أصل العموم، بل لتعيين نوع العموم المراد منه؛ فإنّ العموم المستفاد من الجمع المعرّف باللام من دون دخول أدوات العموم عليه هو عموم استغراقي، وأمّا بعد دخول تلك الأدوات فيكون العموم المستفاد منه عموماً مجموعيّاً.
فإن قلت: إنّ هذا يقتضي الالتزام بأنّ دخول أدوات العموم يوجب اختلافاً في المعنى المستفاد من الجمع المعرّف باللام بحيث يستفاد من التركيب معنىً مغاير لما كان يستفاد منه قبل دخولها.
قلت: يمكن الالتزام بأنّ الهيئة الناشئة من دخول أدوات العموم على الجمع المعرّف باللام، تدلّ وضعاً على العموم المجموعي، لا أنّ دخول تلك الأدوات يوجب استفادة معنىً من الجمع المعرّف باللام ينافي ما وضع له في الأصل.
وبناءً على ما تقدّم يتّضح الإشكال في ما أفاده المحقّق الإصفهاني، إذ أنکر العموم الوضعي للجمع المعرّف باللام ورأی أنّ استفادة العموم منه ـ کاستفادته من المفرد المعرّف باللام ـ موقوفة علی تماميّة مقدّمات الحکمة، وقال في توجيه عدم الفرق بين العموم المستفاد من الجمع والمفرد المعرّف باللام: إنّ مفاد صيغة الجمع أمر وحداني متقوّم بثلاثة أفراد على الأقلّ ـ وما ورد في عباراته من تحقّق مفاد الجمع باثنين، من باب سبق القلم ظاهراً، إذ أدنى مراتب الجمع في العربيّة ثلاثة ـ وهو مبهم من حيث الزيادة.
والاستغراق تارة يراد به شمول الجمع للجماعات الأُخرى المؤلّفة من أربعة أو خمسة أو أكثر کما إذا قيل: «أکرم کلّ جماعة جماعة»، وأُخری يراد به عدم الوقوف علی حدّ خاصّ، فيکون حينئذٍ بمنزلة قولنا: «أكرم كلّ الجماعة» في قبال بعضهم، کما في قولنا: «أکرم العشرة».
ومن ثمّ فإنّ الاستغراق في الجمع يقتضي عدم التوقّف عند حدّ معيّن والذهاب إلى آخر الآحاد، لا إلى آخر المراتب.
وأمّا عدم الاستغراق في الجمع فيقتضي الاكتفاء بثلاثة أفراد، كما أنّ عدم الاستغراق في المفرد يقتضي الاكتفاء بفرد واحد، لأنّهما القدر المتيقّن من مدلولهما.
وعلى هذا الأساس لا يظهر فرق بين قولنا: «أكرم كلّ عالم» و«أكرم العلماء»، إذ الأوّل يقتضي الشمول لکلّ فرد والثاني يقتضي الشمول لکلّ جماعة.[1]
وفيه أوّلاً: أنّ العموم في الجمع المعرّف باللام وکذا في المفرد المعرّف بلام الاستغراق، مستفاد من الوضع کما تقدّم بيانه.
وثانياً: إنّ النحو الأوّل من الاستغراق الذي ورد في كلماته يکون نتيجة الإطلاق لا العموم، لأنّ مآله إلى نفي الخصوصيّة العدديّة للجماعة، وهو ما يلزم منه الشمول.
وثالثاً: إنّ النحو الثاني من الاستغراق الذي ذکره، فإن کان مراده منه أنّ العموم المستفاد من الجمع المعرّف باللام معناه شمول الجماعة لجميع الأفراد من دون نقيصة، فلا بأس به وهو ما التزمنا به في وضع الجمع المعرّف باللام.
وأمّا إن کان مراده منه أنّ الجمع المعرّف باللام يشمل جميع الجماعات ـ کما يفهم ذلك من عبارته في الفرق بين طريقة إفادة العموم بين المفرد والجمع المعرّف باللام حيث ذهب إلی أنّ الأوّل يشمل کلّ فرد والثاني يشمل کلّ جماعة ـ في مقابل ما التزم به صاحب الفصول من أنّ المتعيّن في الجمع المعرّف باللام هو الجماعة الشاملة لجميع الأفراد، فلا يمکن الالتزام به، لأنّه لا فرق عرفاً بين قولنا: «أکرم کلّ عالم» وبين قولنا: «أکرم العلماء»، فإنّه کما يتحقّق الامتثال بإکرام عالم واحد في الفرض الأوّل، كذلك يتحقّق الامتثال به في الفرض الثاني أيضاً، مع أنّ ما أفاده المحقّق الإصفهاني يقتضي خلاف ذلك، إذ الواحد ليس من مصاديق الجماعة، فيلزم على هذا إکرام ثلاثة من العلماء علی الأقلّ ليصدق امتثال الأمر بإکرام العلماء، وهو ما لا يساعد عليه العرف.
وأخيراً قال الآخوند الخراساني في ختام كلامه حول ألفاظ العموم: لا يبعد أن تكون النكرة في سياق النفي أو النهي عند إطلاقها، شاملةً لجميع الأفراد، كما هو الحال في الاسم المعرّف باللام، سواء أكان جمعاً أم مفرداً، بناءً على القول بدلالة المفرد المعرّف باللام على العموم. وعليه فإنّ تقييد مدخول «اللام» بوصف أو بغيره لا ينافي هذا الظهور وإنّما يكون حمل الإطلاق على هذا التقييد من قبيل «ضيّق فم الركيّة».
ومع ذلك فإنّ دلالته على العموم وضعاً محلّ منع، بل إنّه لا يفيد العموم إلا إذا اقتضته حكمة الكلام أو قامت قرينة على ذلك؛ إذ لا وضع لللام ولا لمدخولها ولا للتركيب المؤلّف منهما يقتضي هذا المعنى.[2]
وما أفاده في مطلع كلامه من أنّ النكرة في سياق النفي أو النهي لا يبعد شمولها عند إطلاقها لجميع الأفراد، ظاهره أنّ مراده أنّه إذا لم يذكر قيد ولم تکن مقدّمات الحكمة تامّة، جاز الحكم بعموم النكرة في سياق النهي أو النفي؛ إذ لو كان المراد من الإطلاق، ما يکون نتيجة تماميّة مقدّمات الحكمة، لما كان وجه للتردّد في إفادة العموم حينئذٍ حتّى يعبّر عنه بقوله: «لا يبعد».
ومن هنا يظهر أنّ هذا الكلام رجوع عن مبناه السابق في مسألة عدم إمكان الأخذ بعموم اللفظ مع إبهام مدخول أداة العموم، كما احتمل ذلك أيضاً السيّد الروحاني.[3]
وهذا المدّعى له مؤيّدات أيضاً سنذكرها في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.