47/05/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی صاحب الفصول/ المقدمات /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / الإشکال علی مدعی صاحب الفصول
ذكرنا سابقاً أنّ الاسم المفرد المحلّى باللام يفيد العموم إذا كانت اللام موضوعة للاستغراق.
ولكن هل يمكن ـ مع فقدان القرينة المعيّنة ـ استفادة العموم من المفرد المحلّى باللام بمجرّدها؟
ذكر صاحب الفصول أنّ في المسألة خلافاً، وأنّ القائلين بإفادة المفرد المحلّى باللام للعموم في مثل ذلك استدلّوا بدليلين:
الأوّل: جواز توصيف المفرد المعرف باللام بصفة الجمع، كما في قولهم: «أهلك الناسَ الدرهمُ البيضُ والدينارُ الصفرُ»،
حيث وصف المفرد «الدرهم» و«الدينار» بصفة جمع، بدعوى أنّ ذلك شاهد على إرادة الاستغراق.
الثاني: صحّة الاستثناء من المفرد المعرف، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا...﴾[1] .
فلو لم يكن مفيداً للعموم لم يصحّ الاستثناء منه.
ثمّ ناقش الدليلين وقال: أمّا الدليل الأوّل فضعيف؛ لأنّ الاستعمال المذكور نادر، ومحتاج إلى قرينة، ولا يقاس عليه غيره، مضافاً إلى أنّ الغالب في استعمال المفرد المحلّى باللام أن يراد منه الجنس لا العموم.
على أنّ مدلول العامّ هو «كلّ فرد فرد»، بينما مدلول الجمع هو «مجموع الأفراد»، ولذلك لا يصحّ توصيف أحدهما بالآخر. ولا ينافي ذلك القول بأنّ عموم الجمع غالباً استغراقي؛ لأنّ الاستغراقيّة إنّما ترجع إلى نحو تعلّق الحكم بالأفراد، لا إلى مدلول اللفظ.
وأمّا وجه ارتباط هذا الإشكال بالاستدلال، فإمّا أن يرجع إلى منع الصغرى ـ أي منع جواز الوصف بصيغة الجمع ـ وهو يستلزم منع صحّة المثالين المذكورين أو منع شمولهما لما نحن فيه، وإمّا أن يرجع إلى منع الكبرى، بأن يقال: إنّ الموصوف بصيغة الجمع ـ على فرض صحّة الوصف ـ ليس من قبيل العامّ الاستغراقي، وإنّما هو عامّ مجموعي خارج عن محلّ النزاع.
وأمّا في مقام المناقشة في الاستدلال الثاني، فقد ذكر أنّ مفاد «اللام» في المفرد والجمع ليس هو الاستغراق وضعاً، وإنّما هي لمجرّد الإشارة إلى مدلول المدخول مع تعيّن لاحق؛ ففي المفرد تكون الإشارة إلى الحقيقة مع تعيّن جنسي أو شخصي، وفي الجمع تكون الإشارة إلى أفراد متعيّنة ولو بقرينة العهد.
وعليه فـ «اللام» لا تستعمل في نفسها في معنى الاستغراق في شيء من الموردين، وإن كان دخولها على الجمع قد يقتضي ـ عند عدم القرينة الصارفة إلى إرادة البعض ـ تعيّن إرادة استغراق الأفراد.
وأمّا في المفرد، فإنّ إفادة العموم لا تحصل إلّا بقرينة خارجيّة ـ كوقوعه في حيّز الاستثناء ـ لا بنفس «اللام»؛ فـ «اللام» لا توجب الاستغراق في المفرد من غير معونة دليل آخر.
وحيث إنّه کما يمكن لحاظ الحقيقة مع «اللام» بنحو يشمل جميع الأفراد عند قيام القرينة، كذلك النكرة أيضاً قد تفيد هذا الشمول بقرينة خارجيّة، يتّضح بذلك أنّه لا فرق في إفادة الاستغراق بين المفرد المعرّف والنكرة، وأنّ المدار في كليهما على القرينة الخارجيّة.[2]
أقول: إنّ ما ذكره في ردّ الاستدلال الأوّل يناقش بأنّ الاستغراقيّة ليست ناظرة إلى كيفيّة تعلّق الحكم بالمدلول، بل هي راجعة إلى کيفيّة لحاظ الأفراد حيث يلحظ کلّ فرد لا بشرط بالإضافة إلى غيره. ومن ثمّ فکون الوصف في العموم الاستغراقي بصيغة المفرد إنّما هو بلحاظ أنّ كلّ فرد يلحظ مستقلّاً عن سائر الأفراد في مقام الوضع والدلالة.
وأمّا ما أفاده في ردّ الاستدلال الثاني، فمآله إلى نفي كون اللام موضوعة للاستغراق، فيتعيّن أنّ إفادة العموم عند دخولها على المفرد إنّما تكون بالقرائن الخارجيّة لا بالدلالة الوضعيّة. وعليه فالعموم المستفاد في المقام غير وضعي يقدّم عليه ـ عند التعارض ـ سائر العمومات الثابتة بالوضع.
قد يقال: إنّ ما أفاده ليس دعوىً بلا أساس؛ فإنّه إذا قيل: «العالم» مثلاً، فمرحلة الدلالة التصوّرية تتحمّل احتمالين: أن تكون «اللام» فيه للعهد أو للجنس، ولا يتعيّن أحدهما إلّا بقرينة صارفة إليه.
ولكن يدفعه أنّ توقّف تعيين أحد المعنيين على القرينة لا يدلّ على أنّهما ليسا من معاني اللفظ الموضوعة له، فإنّ مجرّد احتياج التعيين إلى قرينة لا يساوق خروج ذلك عن الوضع، وإلّا لزم نظيره في موارد الاشتراك اللفظي أيضاً، مع أنّه لا إشكال في كون المعاني المتعدّدة هناك كلّها موضوعاً لها وإنّما يتوقّف تعيين المراد منها على القرينة.
وأمّا نقد ما أفاده في شأن مدلول «الألف واللام» فنرجئه إلى الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.