47/04/29
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد الاقوال في افادة العموم بلفظ «كلّ»/ المقدمات /العام و الخاص
الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / نقد الاقوال في افادة العموم بلفظ «كلّ»
قلنا في الجلسة السابقة إنّ الآخوند والميرزا النائيني ذهبا إلى أنّ لفظ «كلّ» يفيد تعميم مدخوله بالنسبة إلى الأفراد التي يراد منه بلحاظ إطلاقه أو تقييده.
وقد أشكل المحقّق الإصفهاني على هذه الدعوی قائلاً: إن أُريد من اعتبار إحراز الإطلاق، الإطلاق من حيث الأحوال، فهذا أمر لا صلة له بالعموم من حيث الأفراد، إذ لا منافاة بين الإهمال من جهة الأحوال وبين العموم من جهة الأفراد، كما لا منافاة بينه وبين الإطلاق أو التقييد في تلك الجهة. وأمّا إن أُريد الإطلاق من حيث الخصوصيّات الفرديّة، فذلك ممّا هو من شأن «كلّ» نفسها، وإلّا كان إيرادها لغواً أو محالاً.
بل لو ثبت الإطلاق من جميع الجهات التي يحتمل دخلها في الحكم، لم تكن هناك حاجة إلى إيراد «كلّ» أصلاً، إذ لا يبقى حينئذ مجال لإهمال أو ترديد يحتاج إلى أداة عموم لرفعه.[1]
كما أنّ المحقّق العراقي والسيّد الخوئي ذهبا إلى أنّ ورود لفظ «كلّ» يغني عن الأخذ بتماميّة مقدّمات الحكمة، لأنّ «كلّ» تقوم مقامها وتسدّ مسدّها، فمع وجودها لا حاجة إلى تماميّة مقدّمات الحكمة لإثبات شمول الحكم لجميع الأفراد.[2] [3]
ولأجل دراسة هذه المسألة ينبغي الالتفات إلى أنّ القائلين بالقول الأوّل، لم يدّعوا أنّ إفادة العموم بواسطة لفظ «كلّ» موقوفة على جريان مقدّمات الحكمة في مدخولها، بل مرادهم أنّ «كلّ» هي التي تكسب مدخولهَا صفة العموم، سواء أكان ذلك المدخول مطلقاً أم مقيّداً.
فإن كانت مقدّمات الحكمة تامّة في المدخول وكان مطلقاً، فإنّ دخول «كلّ» عليه يوجب عمومه لكلّ أفراده من دون ملاحظة أيّ قيد. وإذا كان المدخول مقيّداً، فإنّ «كلّ» لا تفيد سوى شمول الحكم للأفراد المقيّدة بذلك القيد. وأمّا إذا لم يذكر قيد ولم تتمّ مقدّمات الحكمة لإثبات الإطلاق، فالحال حينئذٍ كحال المدخول المقيّد؛ لأنّه من دون إحراز إطلاق المدخول، لا يمكن الحكم بشموله لجميع أفراده.
والذي أُورد على هذا القول أنّه مع تماميّة مقدّمات الحكمة في مدخول «كلّ»، لا يبقى وجه لدخولها عليه، لأنّ تماميّة تلك المقدّمات تکفي في إفادة عموم المدخول من غير حاجة إلى أداة للتعميم. ومراد من اعترض على كلام الآخوند وعدّه مستلزماً للغويّة دخول «كلّ» هو هذا بعينه. ولو قيل: إنّ لفظ «كلّ» بعد تماميّة مقدّمات الحكمة يفيد أيضاً شمول الحكم لتلك الأفراد، لزم من ذلك تحصيل الحاصل، وهو أمر محال.
غير أنّ السيّد الروحاني أجاب عن هذا الإشكال بأنّ جريان مقدّمات الحكمة في مدخول «كلّ» لا يستلزم لغويّتها، لأنّ للعموم مقامين:
الأوّل: مقام انطباق الطبيعة على جميع أفرادها، وهذا ما يثبت من خلال إطلاق المدخول نتيجة تماميّة مقدّمات الحكمة.
الثاني: مقام تحديد کيفيّة تعلّق الحكم، وهو بيان ما إذا كان الحكم متعلّقاً بجميع الأفراد بنحو العموم الاستغراقي أو المجموعي، أو متعلّقاً بفرد منها علی نحو العموم البدلي؛ وهذا هو ما يتكفّله لفظ «كلّ»، إذ يقوم برفع احتمال البدليّة.
وعليه فإنّ مقدّمات الحكمة تبيّن سعة شمول الطبيعة للأفراد، وأمّا لفظ «كلّ» فيتولّی تعيين كيفيّة سراية الحكم إلی تلك الأفراد.[4]
فإنّ ما أفاده نظير ما ذكرناه سابقاً من أنّ وظيفة لفظ «كلّ» ليست دائماً إفادة عموم مدخولها، بل قد تكون وظيفتها تعيين نوع العموم المراد من المدخول.
إلّا أنّ هذا الجواب غير قابل للالتزام في محلّ البحث، لأنّ العموم من شؤون مرحلة الدلالة التصوّريّة ـ كما تقدّم بيانه عند تعريف العموم في أوّل البحث ـ ولذا يستفاد العموم من المفردات من غير حاجة إلى وقوعها ضمن مرکّب تامّ. أمّا الإطلاق فهو من شؤون مرحلة الدلالة التصديقيّة الثانية، إذ به يتّضح المراد الجدّي للمتكلّم.
وعليه فلا يمكن الالتزام بجريان الإطلاق في مقام سابق على المقام الذي يعيّن فيه لفظ «كلّ» نحو الشمول المستفاد من الإطلاق.
وبهذا يتّضح أيضاً وجه الإشكال في كلام الآخوند والميرزا النائيني؛ فإنّه إذا کان لفظ «كلّ» مفيداً لعموم ما أُريد من متعلّقه، کانت رتبة العموم المستفاد منه متأخّرة عن رتبة إطلاق مدخوله، مع أنّا قد بيّنّا أنّ العموم من شؤون مرحلة الدلالة التصوّريّة، في حين أنّ الإطلاق من شؤون مرحلة الدلالة التصديقيّة الثانية، ولا يعقل تأخّر الدلالة التصوّريّة عن التصديقيّة.
وعليه ينبغي القول بأنّه بعد أن ينشئ لفظ «كلّ» في مرحلة الدلالة التصوّريّة ظهوراً وضعيّاً في استيعاب المفهوم لجميع أفراده، لا يبقى وجه للأخذ بالإطلاق في مرحلة الدلالة التصديقيّة لنفي خصوصيّة يحتمل إرادتها من قبل المتكلّم، لأنّ التمسّك بالإطلاق لنفي الخصوصيّة إنّما يصل الدور إليه إذا لم يکن للدليل ظهور في شمول جميع الأفراد وإن کانت فاقدة لتلك الخصوصيّة.
والذي يؤيّد هذا المعنی أنّه لو قال المولى لعبده: «أكرم كلّ عالم» فسأله العبد: هل يجب إكرام العالم الفاسق أيضاً؟ لكان للمولى أن يوبّخه قائلاً: بعد أن أمرتك بإكرام كلّ عالم، لا وجه لاستفسارك هذا؛ مع أنّه لو کان شمول هذا الکلام للعالم الفاسق ناشئاً من إطلاق مدخول «كلّ»، لکان للعبد أن يوجّه سؤاله بأنّه يشكّ في کون المولی في مقام البيان من هذه الجهة.