« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الإشکال علی مدعی المحققّ العراقي والميرزا النائينی/ المقدمات /العام و الخاص

الموضوع: العام و الخاص / المقدمات / الإشکال علی مدعی المحققّ العراقي والميرزا النائينی

 

طرحنا في الجلسة السابقة دعوى المحقّق العراقي حول وجه اختلاف أقسام العامّ وبيّنّا الأساس الذي بنى عليه هذا التفصيل.

ولكن على ضوء ما تقدّم، يتّضح الإشكال فيما أفاده؛ إذ كما أنّ الفرق بين العامّ البدلي وبين القسمين الآخرين إنّما هو في طريقة لحاظ الأفراد، كذلك العامّ المجموعي والعامّ الاستغراقي يختلفان من هذه الجهة أيضاً، ولا يقتصر اختلافهما على كيفيّة تعلّق الحكم بهما. بل كما ذكرناه غير مرّة، لو لم يكن في نفس لحاظ الأفراد في العامّ المجموعي والعامّ الاستغراقي فرق ذاتي، لما أمكن أن تختلف كيفيّة تعلّق الحكم فيهما.

وعلى هذا الأساس، وإن أمكن في كلّ من العامّ المجموعي والعامّ الاستغراقي التعبير عن شمول العامّ للأفراد بقولنا: «هذا وذاك»، إلّا أنّ الفرق بينهما أنّ العامّ المجموعي يلحظ فيه: «هذا بشرط ذاك وذاك بشرط هذا»، بينما يلحظ في العامّ الاستغراقي: «هذا لا بشرط بالنسبة إلى ذاك وذاك لا بشرط بالنسبة إلى هذا».

فالنتيجة أنّ كلّ واحد من أقسام العامّ الثلاثة يتقابل مع القسمين الآخرين وأنّ ما ادّعاه المحقّق العراقي من أنّ التقابل إنّما هو بين العامّ البدلي والمقسم المشترك بين العامّ المجموعي والاستغراقي، غير قابل للالتزام.

ثمّ إنّ الميرزا النائيني قد أشكل في كون العامّ البدلي من أقسام العامّ وعدّه من أقسام المطلق، فقال في هذا الصدد: إنّ العموم البدلي ليس في الواقع من أقسام العموم؛ لأنّ البدليّة تنافي معنى العموم، لأنّ متعلّق الحكم فيه فرد واحد مردّد، والفرد الواحد لا يعدّ عامّاً. نعم، يوجد فيه نوع شمول في البدليّة إلّا أنّ هذا الشمول لا يتحقّق في الحكم المتعلّق بالفرد على نحو البدليّة، بل لمّا کان هذا القسم من العموم مستفاداً غالباً من إطلاق المتعلّق، کان الأولی عدّه من أقسام المطلق لا من أقسام العامّ.[1]

وقد علّق السيّد الخوئي في حاشية الأجود على كلام أُستاذه معترضاً عليه فقال: إنّ العموم البدلي هو ما كان الترخيص في تطبيق المأمور به على الأفراد فيه مدلولاً لفظيّاً ومستنداً إلى الوضع ـ كما في قوله: «قلّد أيّ مجتهد شئت» ـ وبهذا يتميّز عن المطلق البدلي الذي يكون الترخيص فيه مستفاداً من مقدّمات الحكمة. وعليه فمدّعى الميرزا النائيني غير تامّ، لأنّ ملاك دخول العموم البدلي في أقسام العامّ هو استفادته من الدلالة الوضعيّة، وإلا فإنّ العموم الشمولي أيضاً قد يستفاد أحياناً من الإطلاق وتماميّة مقدّمات الحكمة، كما في قوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾[2] .[3]

إلا أنّ هذا الإشكال غير وارد على مدعى الميرزا النائيني، لأنّ الترخيص في تطبيق المأمور به على الأفراد ـ سواء في العموم البدلي أم في الإطلاق ـ أمر عقلي، وما يكون مستنداً إلى الوضع أو إلى تماميّة مقدّمات الحكمة إنّما هو العموم أو نفي خصوصيّة المأمور به. ومراد الميرزا النائيني هو أنّه لا يوجد في العموم البدلي عموم أصلاً، بل المتحقّق فيه هو نفي خصوصيّة المأمور به بالأخذ بإطلاقه.

بل إنّ السيّد الخميني أنكر أصل وجود هذا التقسيم الثلاثي في الإطلاق وعدّه مختصّاً بالعموم[4] ، والبحث في تحقيق ذلك سيأتي في مبحث المطلق والمقيّد إن شاء الله تعالى.

وقال المحقّق العراقي في مقام الإشكال على مدعى الميرزا النائيني: إنّ البدليّة في العامّ البدلي انما تكون مطروحة في مقام التطبيق، وأمّا في مقام العموم والشمول فإنّ جميع الأفراد تلاحظ فيه في عرض واحد، ومن الواضح أنّ مجرّد كون التطبيق بدليّاً لا يستلزم أن لا يشمل العامّ جميع أفراده.[5]

غير أنّ هذا المدعى على خلاف ما تقدّم منه سابقاً، حيث صوّر العموم البدلي على نحو يكون فيه الشمول بدليّاً، بخلاف العموم الاستغراقي والمجموعي اللذين تلاحظ فيهما الأفراد كلّها في عرض واحد.

فينبغي أن يقال في الجواب عن مدعى الميرزا النائيني: إنّه كما تقدّم في بيان وجه الاشتراك والافتراق بين أقسام العموم، فإنّ في العموم البدلي أيضاً توجد النسبة التي توجب لحاظ أفراد المفهوم الكلّي، غاية الأمر أنّ هذه النسبة تكون على نحو «بشرط لا» بالنسبة إلى بعضها بعضاً.

وعليه فإنّ ترخيص المكلّف في اختيار أحد أفراد المأمور به في العموم البدلي، ليس ناشئاً عن نفي خصوصيّة المأمور به بالتمسّك بإطلاقه، بل هو مستند إلى كيفيّة العموم وشموله للأفراد في حدّ نفسه.


logo