47/04/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی مدعی الآخوند الخراساني و المحقق العراقي – الإشکال علی مدعی الشيخ الأنصاري/ مفهوم الحصر /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم / مفهوم الحصر / الإشکال علی مدعی الآخوند الخراساني و المحقق العراقي – الإشکال علی مدعی الشيخ الأنصاري
ادّعى المحقّق الخراساني أنّ الحكم المترتّب على المستثنى مستفاد من مفهوم الاستثناء لا من منطوقه. ووجّه ذلك بأنّ حكم المستثنى لازم للخصوصيّة الكامنة في حكم جانب المستثنى منه التي تدلّ عليها الجملة الاستثنائيّة.
ثمّ أضاف: إنّه لو كان الحكم الثابت للمستثنى مستفاداً من نفس الاستثناء، لا من الخصوصيّة الموجودة في حكم المستثنى منه، لأمكن حينئذ القول بأنّ الدلالة عليه بالمنطوق لا بالمفهوم.[1]
كما ذكر المحقّق العراقي في الاستدلال على أنّ حكم المستثنى مستفاد من المفهوم لا من المنطوق أنّ حكم المستثنى من لوازم انحصار سنخ الحكم بالمستثنى منه.[2]
ولكن يرد على هذا المدّعى عدّة إشكالات:
أوّلاً: كما تقدّم في المباحث التمهيدية، فإنّ إفادة القيد لمفهوم موقوفة على كونه علّةً منحصرة لترتّب الحكم على ذات الموضوع، وهذا الشرط مفقود في محلّ الكلام.
ثانياً: من شروط إفادة القضيّة للمفهوم بقاء ذات الموضوع مع تغيّر قيوده فقط، في حين أنّ ذات الموضوع في المستثنى مغايرة لذات الموضوع في المستثنى منه؛ فمثلاً في قولنا: «جاء القوم إلّا زيداً» يكون موضوع الحكم في جملة المستثنى منه هو «القوم»، بينما موضوع الحكم في جملة المستثنى هو «زيد». وعليه فلا يصحّ عدّ الحكم المستفاد في خصوص «زيد» مفهوماً للحكم المستفاد في خصوص «القوم».
وقد ذكر الميرزا النائيني أيضاً مطلباً قريباً من ذلك في مقام البحث عن إفادة لفظ «إنّما» للمفهوم.[3]
ثالثاً: إنّ حكم المستثنى منه لا يشتمل في نفسه على خصوصيّة يمكن أن ينفى الحكم عن المستثنى بمقتضاها، وإنّما أداة الاستثناء هي التي تقتضي استفادة معنى زائد في جملة المستثنى؛ فلو قيل: «جاء القوم» لم يفد الكلام إلّا مجيء القوم، وأمّا الذي يوجب عند إدخال «إلّا» إفادة معنىً زائد فهو نفس أداة الاستثناء.
وعليه يمكن الادّعاء بأنّ أداة الاستثناء تدلّ بالوضع على انحصار الحكم في المستثنى منه بنحو لا يشمل المستثنى، ويلزم من ذلك انتفاء الحكم عن المستثنى، وإلّا لم يتحقّق معنى الانحصار. وهذا المعنى مستفاد من منطوق الكلام لا من مفهومه؛ إذ قد تقرّر سابقاً أنّ اللوازم المستفادة من مدلول الألفاظ المطابقي لا تعدّ من المفاهيم.
وبناءً على ما تقدّم يتّضح الحكم في إفادة المفهوم بسائر أدوات الحصر كـ «إنّما»، فإنّ ما يستفاد منها من انتفاء الحكم عن غير المورد المحصور إنّما هو بمقتضى منطوقها لا بمفهومها.
غير أنّه قد وقع الخلاف في عدّ بعض الألفاظ من أدوات الحصر؛ وهذا البحث موكول إلى مباحث علم اللغة ولا يرتبط بالمقام الأُصولي.
فمثلاً أشكل الشيخ في خصوص دعوى تبادر الحصر من لفظ «إنّما» حيث قال: «الإنصاف أنّه لا سبيل لنا إلى ذلك؛ فإنّ موارد استعمال هذه اللفظة مختلفة، ولا يعلم بما هو مرادف لها في عرفنا حتّى يستكشف منها ما هو المتبادر منها، بخلاف ما هو بأيدينا من الألفاظ المترادفة قطعاً لبعض الكلمات العربيّة كما في أداة الشرط ونحوها.»[4]
وفيه أوّلاً: إنّ لفظ «إنّما» في اللغة الفارسيّة له ما يقابله وهو لفظ «تنها» المستعمل في معنى الحصر. نعم، قد يستعمل «إنّما» في العربيّة لمجرّد التأكيد من دون إفادة الحصر، ولكن ذلك لا يعني أنّه في الموارد التي استعمل فيها للحصر لا يمكن العثور على معادل له في سائر اللغات.
ثانياً: كما أفاد المحقّق الخراساني[5] ، فإنّ كشف التبادر عند من لا يتكلّم بلغة ما لا يتوقّف على وجود مرادف لذلك اللفظ في لغته، بل يمكن التوصّل إليه بسؤال أهل تلك اللغة.
بل الحقّ أنّ الاعتماد على المرادفات في سائر اللغات لا يصلح أن يكون ملاكاً في كشف التبادر؛ إذ ليس الترادف بمعنى تساوي الموضوع لهما من جميع الجهات، وإنّما هو تقارب في المعنى، ولأجل ذلك يقال: إنّه لا يمكن ترجمة أيّ لغة ترجمة تامّة مائة بالمائة إلى لغة أُخرى.
ثمّ إنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ الحصر قد يكون إضافيّاً وقد يكون حقيقيّاً. ففي الصورة الأُولى يكون نفي الحكم بواسطة أداة الحصر عن الأُمور التي لوحظ الحصر بالنسبة إليها لا على نحو الإطلاق.
وأمّا الحصر الحقيقي فقد يرد أحياناً على سبيل الادّعاء والمبالغة ـ كحصر الوصف بالموصوف في نحو: «إنّما العالم زيد» ـ فإنّه وإن أفاد نفي الحكم عن غير المحصور فيه، إلّا أنّ هذا النفي ـ كالحصر نفسه ـ ادّعائي.
وبهذا يتمّ البحث في المفاهيم وسنشرع من الجلسة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ في مبحث «العامّ والخاصّ».