« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

47/04/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 دلالة «لا إله إلا الله» علی التوحيد – منشاء معنی الإستثناء/ مفهوم الحصر /المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الحصر / دلالة «لا إله إلا الله» علی التوحيد – منشاء معنی الإستثناء

 

ما يمكن ذكره في توجيه مدّعى الشيخ هو أنّ مراده أنّ لفظ التوحيد كما يدلّ على نفي الوجود الفعلي لإله غير الله تعالى، يدلّ أيضاً على الوجود الفعلي لله سبحانه، وأمّا الذي يفهم منه بالملازمة فهو نفي الإمكان الوجودي لإله غيره لا نفي وجوده الفعلي؛ إذ نفي الوجود الفعلي مدلول مطابقي للّفظ.

وعلى هذا يكون مدّعاه مشابهاً لما ذكره المحقّق الخراساني في مقام دفع الإشكال حيث قرّر أنّ المراد من «إله» في هذه العبارة هو واجب الوجود، وأنّ لفظ التوحيد يدلّ على نفي ثبوته ووجوده في الخارج وإثبات فرد واحد منه، وهذا بالملازمة يدلّ على امتناع غير الله تعالى، إذ لو لم يكن ممتنعاً لكان موجوداً لا محالة.[1]

غير أنّ هذه الأُمور ـ كما ذكره السيّد الخميني[2] ـ من الدقائق الخفيّة على عامّة الناس، فلا يصحّ الادّعاء بأنّ كلّ من تلفّظ بكلمة التوحيد كان عارفاً بها وملتزماً بمقتضاها.

وعليه فلابدّ من القول بأنّ ما يشكّل أساس التوحيد، هو الإيمان القلبي بوحدانيّة الله تعالى، وأمّا التلفّظ بكلمة التوحيد فليس إلّا أمارة يحكم بمقتضاها بإسلام ظاهري للناطق بها؛ بل إنّ الشارع قد اعتبرها سبباً للإسلام الظاهري حتّى في الموارد التي يعلم فيها بعدم التزام القائل بمفادها، كما في بعض المنافقين في صدر الإسلام حيث كان رسول الله(ص) يجري عليهم حكم الإسلام ظاهراً مع العلم بنفاقهم. ومن هنا نشأت دعوى بعضهم أنّ دلالة هذه الكلمة على توحيد القائل تعبّديّة.

إلّا أنّ هذه الأماريّة مشروطة بأن يكون الناطق بها عالماً بمعاني ألفاظها عارفاً بالمقصود منها. وحيث إنّ معنى هذه الكلمة كان يُبيّن للقائل قبل النطق بها، فلا بعد في القول بأنّ القائل كان يعلم بالمراد منها اعتماداً على القرائن السابقة على التلفّظ. ومن ثمّ لا يصحّ جعل الدلالة المستفادة منها حجّة لإثبات إفادة أداة الاستثناء لمفهوم.

ثمّ إنّه هل المعنى المستفاد من الکلام في جانب المستثنى مستفاد من منطوقه أو من مفهومه؟

قد صرّح الشيخ والمحقّق الخراساني بأنّ العلم بكون هذا المعنى مستفاداً من منطوق أداة الاستثناء أو من مفهومها لا يترتّب عليه ثمرة عمليّة.[3] [4]

ولكن هذا الادّعاء غير تامّ، إذ إن كانت دلالة أداة الاستثناء على المعنى المفهوم في جانب المستثنى ناشئة من المفهوم، فإنّه عند التعارض مع الدلالات المنطوقيّة يقدّم المنطوق عليها، وأمّا إذا كانت الدلالة من باب المنطوق، فلا وجه لعدّها أضعف مطلقاً من سائر الدلالات المنطوقيّة.

وأمّا ما ذكره الشيخ من أنّه لا وجه لاعتبار الدلالة المفهوميّة أضعف من الدلالة المنطوقيّة، ففيه: أنّ المفهوم ـ كما تقدّم في المباحث التمهيديّة ـ إنّما يکون من لوازم التغيير في الحيثيّات التقييديّة للموضوع باعتبار كونها علّة منحصرة لترتّب الحكم على ذات الموضوع. ومن ثمّ فإنّ استفادة المعنى المفهومي من اللفظ تحتاج إلى واسطة، ومن الواضح أنّ ظهور اللفظ في معنىً يفهم من اللفظ بلا واسطة، يکون أقوى من ظهوره في معنىً يتوقّف فهمه منه على وسائط؛ بل إنّ الظهور الذي تقلّ وسائطه أقوى من الظهور الذي تكثر وسائطه، ولأجل ذلك تقدّم لوازم المدلول المطابقي المنطوقي على مفهوم الكلام.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ هذا الادّعاء وإن كان قابلاً للالتزام به فيما إذا تعدّدت المدلولات المستفادة من دليل واحد، إلّا أنّه في مورد وجود دليلين مستقلّين ليس بتامّ؛ فإنّ مجرّد كون المعنى في أحد الدليلين مستفاداً من المنطوق لا يقتضي تقديمه على دليل آخر يكون المعنى فيه مستفاداً من المفهوم، إذ قد يكون منطوق الدليل الثاني نصّاً في حين أنّ منطوق الدليل الأوّل لا يعدو أن يكون ظاهراً. ففي مثل هذه الصورة لا وجه لتقديم منطوق الدليل الأوّل على مفهوم الدليل الثاني بمجرّد كونه منطوقاً، إذ لا بعد في أن يكون المفهوم المستفاد من نصّ دليل ما أقوى من ظاهر منطوق دليل آخر.

غير أنّ لهذا المدّعى جواباً سنذكره في الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.

 


logo