47/04/05
بسم الله الرحمن الرحیم
التحليل في دلالة «لا إله إلا الله» علی التوحيد/ مفهوم الحصر /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الحصر / التحليل في دلالة «لا إله إلا الله» علی التوحيد
قد أجاب صاحب الفصول عن دعوی كون دلالة «لا إله إلّا الله» على التوحيد تعبّديّة بقوله: «إنّ النبي(ص) كان يكتفي بها في إسلام قائلها من غير تفتيش عن اطّلاعه على عرف الشرع وتبعيّته له في الاستعمال.
ويشكل بأنّ نزاع الكفّار ومخالفتهم لم يكن في أصل الإلهيّة، إذ لم ينكر أحد منهم وجود صانع مدبّر للنظام على الظاهر، وإنّما كان في الصفات كالتوحيد ونفي التعدّد، فاعترافهم بنفي إلهيّة غيره تعالى يستلزم اعترافهم بإلهيّته تعالى.
مع أنّه تعالى ما كان يكتفي في الإسلام بمجرّد الإقرار المذكور ما لم ينضمّ إليه الإقرار بالرسالة، وهو يستلزم الإقرار بالإلهيّة قطعاً.»[1]
وحقيقة مراده أنّ استفادة معنى التوحيد من جملة: «لا إله إلّا الله» لا تتوقّف على وضع شرعي أو اعتبار خاصّ من الشارع، بل يمكن انتزاع هذا المعنى من نفس اللفظ بلا حاجة إلى جعل شرعي استناداً إلى ما تقدّم من كلماته. نعم، اعترف في ذيل كلامه بأنّ دلالة هذا اللفظ على التوحيد إنّما هي بلحاظ القرائن الحاليّة والمقاميّة.
وقد ذكر الشيخ أوّلاً أنّ المراد من النفي في هذه العبارة هو العدم المحمولي ـ نظير قولنا: «زيد معدوم» ـ لا العدم الربطي ـ كقولنا: «زيد ليس بقائم» ـ إلّا أنّه أورد الإشكال على هذا البيان وصرّح بأنّ المعنى الاسمي لـ «لا» النافية للجنس ليس معنىً معهوداً، مضافاً إلى أنّه حتّى على فرض التسليم به يبقى الإشكال على قوّته من غير أن يندفع.
وفي نهاية المطاف ذكر في مقام دفع الإشكال أنّ الوجه الذي يمكن الالتزام به هو أنّ المستفاد من هذه العبارة إنّما هو إثبات الأُلوهيّة بالفعل لله تعالى، وأمّا نفي إمكان الأُلوهيّة عن غيره فمستفاد بالملازمة الواقعيّة بين المعنيين.
ولا يضرّ خفاء هذه الملازمة، إذ الخفاء إنّما هو من جهة عدم الالتفات التفصيلي إليها، بمعنى أنّ الإنسان قد لا يلتفت إلى علمه بها، مع أنّ أصل العلم بالملازمة ممّا أودعه الله تعالى في فطرة عموم البشر. وعلى فرض خفاء الملازمة أيضاً، فلا مانع من الحكم بالإسلام على أساسها، ولا سيّما في صدر الإسلام كما صرّح به جمع من الأعلام.[2]
لكن هذا الادّعاء غريب، لأنّ ما يدلّ عليه لفظ التوحيد منطوقاً ومن غير إشكال هو نفي الأُلوهيّة عن غير الله تعالى، وأمّا محلّ الكلام فهو في دلالته على إثبات الأُلوهيّة لله عزّ وجلّ. ومن هنا ذكر صاحب الفصول أنّ المشركين لم يكونوا ينازعون في أُلوهيّة «الله» سبحانه وإنّما كان إنكارهم متوجّهاً إلى نفي الأُلوهيّة عن غيره، فيلزم من إقرارهم انحصار الأُلوهيّة فيه تعالى على فرض تماميّة ما ادّعاه الشيخ.
وعلى هذا فلم يكن المشركون بحاجة إلى التلفّظ بكلمة التوحيد للإقرار بأُلوهيّة «الله» سبحانه، لثبوت هذا الإقرار عندهم قبلها. وإذا كانت الملازمة التي ذكرها كافية في تحقّق الإقرار بالوحدانيّة وكان خفاؤها غير مضرّ به، لزم الحكم بكونهم موحّدين قبل النطق بكلمة التوحيد أيضاً وهو لازم باطل.
بل إنّ أصل النزاع بين النبيّ الأكرم(ص) والمشركين كان في نفي الأُلوهيّة عن غير الله تعالى لا في إثبات الأُلوهيّة له سبحانه حتّى يضطرّ المشركون إلى الإقرار بها تسليماً.
اللهمّ إلّا أن يصار إلى توجيه آخر لكلامه لا يرد عليه هذه الإيرادات ونؤخّر بيانه إلى الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.