47/04/04
بسم الله الرحمن الرحیم
وجهة نظر المحقق الخوئي والسيد الخميني حول مفهوم الاستثناء / مفهوم الحصر/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الحصر/ وجهة نظر المحقق الخوئي والسيد الخميني حول مفهوم الاستثناء
قال السيّد الخوئي في مقام الإشكال على مدّعى أبي حنيفة: إنّ الفهم العرفي من مثل هذا التركيب، رجوع مفاده إلى قضيّتين، إحداهما سلبيّة والأُخرى إيجابيّة؛ فمثلاً قول المعصوم(ع): «لا صلاة إلّا بطهور» ينحلّ إلى جملتين: «إنّ الصلاة لا تتحقّق بلا طهارة»، و«إذا تحقّقت الصلاة فلا محالة تكون مع الطهارة». ولا يختلف الحال في ذلك بين كون الجملة إخباريّة أو إنشائيّة، كما أنّ المتبادر من جملة: «لا صلاة إلّا بطهور» أنّها واردة في مقام إنشاء شرطيّة الطهارة للصلاة.[1]
إلّا أنّ الجملتين اللتين ذكرهما مرجعاً للقضيّة المزبورة، ليستا في الحقيقة إلّا نتيجة تقدير لفظتي «تامّة» و«ممكنة»؛ فإنّ قولنا: «إنّ الصلاة لا تتحقّق بلا طهارة» إنّما هو حاصل قولنا: «لا صلاة تامّة إلّا بطهور»، كما أنّ قولنا: «إذا تحقّقت الصلاة فلا محالة تكون مع الطهارة» إنّما هو ثمرة قولنا: «لا صلاة ممكنة إلّا بطهور»، وذلك لأنّ عدم تحقّق الصلاة بلا طهارة لازم لعدم كونها تامّة إلّا مع الطهارة، كما أنّ لزوم تحقّقها مع الطهارة لازم لعدم إمكان تحقّقها بدونها. ومن الواضح أنّ المعنى الأوّل من لوازم الثاني، إذ متى كان تحقّق الصلاة بلا طهارة غير ممكن، لزم عدم تحقّقها كذلك. وعليه فلا يكون للمعنى الأوّل استقلال مفهومي وراء المعنى الثاني.
وعليه فكما أفاد المحقّق الخراساني، ليس المراد الأصلي من قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» إلّا «لا صلاة ممكنة إلّا بطهور.»
وقرّر السيّد الخميني في مقام ردّ مدّعى أبي حنيفة أنّ نحو قوله: «لا صلاة إلّا بطهور» و«لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» إنّما ورد في مقام الإرشاد إلى شرطيّة الطهارة للصلاة وجزئيّة الفاتحة لها، لا في مقام الإخبار عن عقد سلبي وإيجابي، وأنّ الاستثناء في مثل هذه الموارد لا مفهوم له. وعليه فمفاد قوله: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» أنّ الفاتحة جزء من الصلاة وأنّ الصلاة بدونها ليست بصلاة، لا أنّ الفاتحة تمام الصلاة، ولا أنّ الصلاة إذا اشتملت عليها لم يضرّ بها فقدان سائر الأجزاء والشرائط. فهذه التراكيب ليست من قبيل «جاءني القوم إلّا زيداً» حيث يكون للاستثناء فيه مفهوم معتبر.[2]
إلّا أنّ الإشكال على ما أفاده أنّه لا فرق بحسب الوضع بين قولنا: «لا صلاة إلّا بطهور» وقولنا: «لا فتى إلّا عليّ(ع)» ، فكما أنّ الثاني إخبار عن عقد سلبي وإيجابي، كذلك الأوّل أيضاً. وأمّا استفادة شرطيّة الطهارة للصلاة من الجملة الأُولى فليس من حيث الوضع، بل من جهة القرائن الخارجيّة؛ إذ حيث إنّ الصلاة مركّب ذو أجزاء وشرائط، نفهم من عقد السلب أنّ الطهارة شرط فيها، وهذا أجنبيّ عن نفس ما يستفاد من اللفظ وضعاً.
وعليه فلو التزمنا في الجملة الثانية بدلالة الاستثناء على المفهوم، لزم الالتزام به في الجملة الأُولى أيضاً.
ثمّ إنّه قد استدلّ على أنّ أداة الاستثناء تدلّ على نفي الحكم الثابت للمستثنی منه عن المستثنی بقولهم: «لا إله إلّا الله»، بدعوى أنّ هذه الجملة ظاهرة في الشهادة بالتوحيد، بمعنى إثبات الأُلوهيّة لله تعالى ونفيها عن غيره معاً.
لكن أُشكل على هذا الاستدلال بأنّ دلالة هذه الجملة على التوحيد ليست وضعيّة، بل إمّا أن تكون مبنيّة على قرينة حاليّة ـ بمعنى أنّه في مقام نعلم أنّ المتكلّم بصدد إفادة هذا المفاد فيفهم منه ذلك ـ وإمّا أن تكون تعبّديّة؛ إذ لابدّ من تقدير خبر لـ «لا» النافية في هذه الجملة، وذلك الخبر إمّا «موجود» أو «ممكن»؛ فعلى الأوّل لا دلالة لها على نفي إمكان الأُلوهيّة لغير الله تعالى، وعلى الثاني لا دلالة فيها على إثبات وجوده سبحانه، بل غاية ما تدلّ عليه إمكانه فقط.
وقد أجاب صاحب الفصول عن دعوى تعبديّة دلالة الجملة المذكورة بما سنعرضه في الجلسة الآتية إن شاء الله تعالى.