47/03/29
بسم الله الرحمن الرحیم
أداة الاستثناء/ مفهوم الحصر /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الحصر / أداة الاستثناء
مفهوم الحصر
نتعرّض في هذا المبحث لبيان دلالة بعض أداة الحصر على المفهوم، ومن جملتها أداة الاستثناء.
لا إشكال في أنّ لفظ «إلّا» إذا وقع في سياق إثبات الحكم للمستثنى منه، دلّ على نفي الحكم عن المستثنى، وإذا استعمل في سياق نفي الحكم عن المستثنى منه، دلّ على ثبوت الحكم للمستثنى؛ فمثلاً إذا قيل: «جاء القوم إلّا زيداً» فالمفاد أنّ «زيداً» ـ على خلاف سائر الأفراد ـ لم يأت. غير أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ «إلّا» قد تستعمل أحياناً في معنى الوصفيّة، أي بمعنى «غير»، كما في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[1] ، فإنّها في هذا المورد ليست من أداة الاستثناء ولا يستفاد منها المعنى المتقدّم. ومن هنا قيل: كلّما استعملت «إلّا» استعمالاً وصفيّاً، خرجت عن محلّ البحث في المفاهيم.[2] [3]
قد يقال: إنّ «إلّا» وإن لم تدلّ عند استعمالها في معنى الوصفيّة على نفي الحكم المذكور في المنطوق، إلّا أنّها تدلّ على معنى آخر، وهو المفروغيّة عن وجود ما ذكر بعدها؛ فمثلاً في الآية الشريفة المتقدّمة تدلّ «إلّا» على أنّ وجود الله تعالى مفروغ عنه ومسلّم، إذ ليس المراد أنّه لو كان مكان الله عزّ وجلّ إله آخر لزم الفساد، بل إنّها ناظرة إلى لزوم الفساد فيما لو كان مع الله تعالى إله آخر. فوجود الباري جلّ وعلا قد اعتبر مفروغاً عنه بذكر«إلّا» في هذه الجملة.
إلّا أنّ الجواب أوّلاً: إنّ استفادة هذا المعنى من «إلّا» الوصفيّة إنّما تكون بالاعتماد على القرائن ولا تجري في جميع الموارد؛ كما إذا قيل: «إذا أخبرتَ أيّ أحد إلّا زيداً بهذا الأمر وقعت الفتنة»، فإنّه لا يفهم منه أنّ الإخبار لزيد أمر مفروغ عنه وحتمي، بل هو أمر محتمل الوقوع.
وثانياً: على تقدير دلالة «إلّا» الوصفيّة في بعض الموارد على هذا المعنى، فلا ارتباط لذلك ببحث المفاهيم؛ إذ البحث في المفاهيم إنّما هو في دلالة اللفظ علی انتفاء الحكم بانتفاء قيد الموضوع، لا في دلالة بعض القيود على ثبوت حكم آخر
لا صلة له بالحكم المترتّب على الموضوع في منطوق الكلام.
ثمّ إنّه قد نسب إلی أبي حنيفة في خصوص دلالة «إلّا» الاستثنائيّة على نفي الحكم عن المستثنى أنّها لا تدلّ على ذلك، بل غايتها الدلالة على شمول الحكم للمستثنى منه أو على انتفائه عنه، وأمّا بالنسبة إلى حكم المستثنى فهي ساكتة.[4] [5]
واستدلّ لهذا المدّعى بموارد من قبيل: «لا صلاة إلّا بطهور» بدعوى أنّ هذه العبارة لا تدلّ إلّا على نفي صحّة الصلاة الفاقدة للطهارة ولا يستفاد منها صحّة الصلاة المقرونة بها؛ إذ من الواضح أنّ مجرّد الطهارة مع فقدان سائر الشرائط
لا يكفي في الحكم بالصحّة.
وقد أجاب عنه الشيخ بأنّ الحصر في هذه الموارد إضافي[6] ؛ بمعنى أنّ ما كان تامّاً من سائر الجهات عدا جهة الطهارة وصالحاً لصدق عنوان الصلاة عليه، فإنّه يحتاج إلى الطهارة ليتمّ صدق هذا العنوان عليه، وإلّا لم يكن صلاة تامّة.
واستشكل عليه المحقّق الخوئي ـ الذي استفاد هذا المعنى نفسه من كلمات المحقّق الخراساني ـ قائلاً: إنّه لو أُريد بـ «لا صلاة إلّا بطهور» أنّ الصلاة التامّة من سائر الجهات عدا الطهارة لا تتحقّق إلّا بها، لكان مقتضى ذلك أن يفهم من «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» أيضاً أنّ الصلاة التي تكون سائر أجزائها وشرائطها سوی الفاتحة تامّة لا تتحقّق إلّا بها. وهذا يفضي إلى استعمال لفظ «الصلاة» في التركيبين بمعنيين مختلفين، مع أنّ الفهم العرفي منه في كليهما واحد.[7]
وهذا الإشكال وإن كان وجيهاً في نفسه إلّا أنّه لا يرد على مدّعى المحقّق الخراساني، لأنّ ما ذكره لا يطابق ما ذهب إليه الشيخ، بل مفاده أنّ المراد من «لا صلاة إلّا بطهور» أنّ ما يكون تامّاً في صلاحيّته لصدق عنوان الصلاة عليه، لا يبلغ تلك المرتبة إلّا بالطهارة، وإلّا فبناءً علی وضع ألفاظ العبادات لخصوص الصحيح منها، لا يكون صلاة، كما أنّه على القول بوضعها للأعمّ من الصحيح والفاسد، لا يعدّ صلاة مأموراً بها.[8]
ومن الواضح أنّ هذا التوجيه لمعنی العبارة يختلف عمّا ذكره الشيخ وأنّ إشكال المحقّق الخوئي الوارد على توجيه الشيخ لا يرد على بيان المحقّق الخراساني.
وبعبارة أُخرى: يكون الحصر في العبارة على ما أفاده المحقّق الخراساني حقيقيّاً ويكون اسم «لا» النافية للجنس في هذه العبارة هو لفظ «موجودة» أو «تامّة».
غير أنّه يستشكل عليه بأنّ مفاد عبارة: «لا صلاة إلّا بطهور» بناءً على ذلك هو أنّ ما وقع بلا طهارة، فليس بصلاة أو ليس صلاة تامّة، وما وقع مع الطهارة فهو صلاة أو صلاة تامّة؛ وعليه فيبقى إشكال أبي حنيفة وارداً ولا يندفع بهذا البيان.