« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/11/28

بسم الله الرحمن الرحیم

 أنحاء أخذ العدد في متعلّق الحكم/ مفهوم العدد/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم العدد/ أنحاء أخذ العدد في متعلّق الحكم

 

قد ذكر الشيخ الأعظم(ره) في بيان أنحاء أخذ العدد في متعلّق الحكم، ما حاصله: أنّ العدد المأخوذ في موضوع الحكم لا يخلو من خمسة فروض:

الأوّل: أن يعلم أنّه مأخوذ لا بشرط بالإضافة إلى الزيادة والنقيصة. الثاني: أن يعلم أنّه مأخوذ بشرط عدم الزيادة والنقيصة معاً. الثالث: أن يعلم أنّه مأخوذ بشرط عدم الزيادة فقط. الرابع: أن يعلم أنّه مأخوذ بشرط عدم النقيصة فقط. الخامس: أن لا يعلم حال العدد من هذه الجهات.

واللازم في الفرض الأخير، معاملته معاملة الفرض الأوّل، لأنّ اللفظ لا يكشف إلّا عن أصل العدد المذكور ولا يدلّ على اعتبار خصوصيّته.

وأمّا في الفرض الأوّل، فإنّ الحكم قد يكون وجوديّاً، كما إذا قيل: «يجب صوم ثلاثين يوماً»، فإنّه يدلّ على وجوب صوم الأيّام الثلاثين بنحو التبعيّة ولا يدلّ على وجوب كلّ واحد منها بالأصالة إلّا إذا ثبت تعدّد التكليف. كما أنّه لا يدلّ على وجوب الزائد على الثلاثين وإن لم يكن منافاته له بظاهرة، إذ لا يستفاد منه المفهوم.

وقد يكون الحكم عدميّاً، كما في قوله: «يحرم جلد الزاني مائة جلدة»، فإنّه يدلّ على حرمة الزائد بطريق أولى نظراً إلى اشتراكه في المفسدة وزيادتها فيه.

وأمّا على الفرض الثاني، فإن كان الحكم وجوديّاً ـ كما في قولهم: «يجب الطواف سبعة أشواط» ـ فإنّ وجوب المعدود بمجموعه يكون تبعيّاً، فإذا وقع الإتيان بأقلّ منه أو أكثر لم يتحقّق الامتثال، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

وأمّا إذا كان الحكم عدميّاً فلا يتحقّق الحرام في العدد الأقلّ قطعاً، وكذلك في الزائد عليه إذا صدر العمل دفعة واحدة.

وأمّا إذا كان العمل تدريجيّاً، فإنّ حرمة الوصول إلى ذلك العدد الزائد تتوقّف على مدخليّة القصد في ترتّب عنوان الحرمة.

وأمّا على الفرض الثالث، فلا وجوب ولا حرمة في المقدار الزائد إذا أُتي بالعمل دفعة. وأمّا مع الإتيان التدريجي، فالحكم يدور بين الوجهين المتقدّمين.

وكذلك لا وجوب ولا حرمة في إتيان المقدار الأقلّ؛ أمّا نفي الحرمة والوجوب بالأصالة، فظاهر بناءً على عدم تعدّد التكليف. وأمّا نفي الوجوب التبعي، فظاهر في التكليف العدمي، لعدم قابليّته للتبعيّة. وأمّا في التكليف الوجودي، فلأنّ الاتّصاف بالوجوب التبعي إنّما يثبت فيما إذا وقع الإتيان بالفعل بقصد مجموع الواجب، دون بعضه.

وأمّا في الفرض الرابع، فلا دلالة على الحرمة في المقدار الناقص إذا كان الحكم عدميّاً. وأمّا في الزائد، فإطلاق الدليل يقتضي حرمة الزيادة، بل ربّما أمكن استفادة الحرمة بطريق الأولويّة نظراً إلى اشتراك الزيادة مع المقدار المنصوص عليه في جهة المفسدة بل وزيادة.

وأمّا في المقدار الناقص، فلا وجوب له بالأصالة في الحكم الوجودي، وقد تقدّم بيان حال وجوبه التبعي.

وأمّا بالنسبة إلى المقدار الزائد، فإنّ اللفظ لا يدلّ على وجوبه ولا على عدمه،
إلّا أنّه إذا أُتي به حكم بالامتثال استناداً إلى إطلاق الدليل.[1]

أقول: الحقّ ما أفاده الشيخ(ره) في هذه الكلمات، فإنّ الملاك الذي ذكر سابقاً لإفادة المفهوم، غير متحقّق في باب العدد، فلا وجه للقول بثبوت المفهوم فيه.

وما قد يستفاد من العدد من معانٍ أُخرى ـ كعدم جواز الزيادة أو النقيصة، أو أحدهما، أو عدم جواز الاكتفاء بالأقلّ، أو أولويّة المقدار الأكثر ـ إنّما هو مستند إلى قرينة خارجيّة، أو ناشئ عن عدم الإتيان بالمأمور به، ولا صلة له بمفهوم العدد بما هو.

نعم، تلاحظ في بعض كلماته تعبيرات قابلة للمناقشة، كاستعماله لمصطلح «الحكم العدمي» في مقام التعبير عن الحرمة، أو تصوير «الوجوب التبعي» لأجزاء المركّب.


logo