46/11/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال علی تفصيلالسيّد الروحاني/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ الإشکال علی تفصيل السيّد الروحاني
تقدّم أنّ المحقّق الخراساني فصّل في إفادة الغاية للمفهوم، ففرّق بين ما إذا كانت الغاية غايةً للحكم، وما إذا كانت غايةً للموضو
إلّا أنّ السيّد الروحاني أشكل على هذا التفصيل وقال: إنّ قيد الموضوع راجع في الحقيقة إلى قيد الحكم، فيكون الحكم أيضاً مقيّدًا بقيد الموضوع ولا يثبت بدونه.[1]
ويمكن دفع هذا الإشكال بأنّ رجوع قيد الموضوع إلى قيد الحكم معناه أنّ الحكم لا يمكن أن يبقى عند انتفاء قيد الموضوع لانتفاء موضوعه ممّا يقتضي عدم دلالة القضيّة على استمرار الحكم، ولكنّه لا يقتضي دلالتها على ارتفاعه.
إذن سرّ الاختلاف بين غاية المتعلّق أو الموضوع وغاية الحكم يكمن في أنّ أقصى ما يؤدّي إليه كون المتعلّق أو الموضوع مغيّىً هو انتفاء المتعلّق أو الموضوع ببلوغ الغاية، فلا تدلّ القضيّة على استمرار الحكم، في حين أنّ كون الحكم مغيّىً يستلزم عدم استمراره بعد بلوغ الغاية.
وبعد أن أورد السيّد الروحاني على دعوى المحقّق الخراساني، قال في بيان مختاره في المسألة: «إنّ الكلام إذا كان مسوقاً لبيان الغاية فقط مع كون الحكم مفروغاً عنه وإنّما كان المولى في مقام بيان غايته وحدّه، كان مقتضى الإطلاق المقامي ثبوت المفهوم وارتفاع الحكم بحصول الغاية، وإلا لم تكن الغاية غاية للحكم، ومثاله قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكـُمُ الْخَيْطُ...﴾[2] ، فإنّ أصل جواز الأكل معلوم والآية مسوقة لبيان غايته.
وإن كان مسوقاً لبيان الحكم المغيّی، فلا دلالة له على المفهوم، لما عرفت من أنّ اعتبار حكم مقيّد بقيد، لا يتنافى مع اعتباره مقيّداً بقيد آخر أو غير مقيّد بقيد.»[3]
ولكن لا وجه لهذا التفصيل، إذ الغاية الواردة في القضيّة على كلّ حال إنّما هي غاية لبقاء الأمر المعتبر لا لأصل الاعتبار، لأنّ أصل الاعتبار أمر حقيقي يدور مدار الوجود والعدم، وحدوثه يكون في آنٍ واحدة ويمتنع أن تكون له غاية، سواء ثبت أصل الحكم بالقضيّة المقيّدة بالغاية أو ثبت بدليل آخر.
على أنّ انتفاء الحكم ببلوغ غايته ليس من مقتضيات الإطلاق المقامي، وإنّما ـ كما تقدّم ـ هو مدلول التزامي للغاية، لأنّ استمرار الحكم بعد حصول الغاية يستلزم أن لا تكون الغاية غاية له.
ثمّ إنّ السيّد الخوئي ذكر في بيان ملاك كون الغاية ـ من حيث الإثبات ـ غاية للموضوع أو المتعلّق أو الحكم: «إنّ الحكم في القضيّة إن كان مستفاداً من الهيئة، فالظاهر من الغاية هو كونها قيداً للمتعلّق لا للموضوع، والوجه فيه ليس ما ذكره جماعة ـ منهم شيخنا الأُستاذ ـ من أنّ مفاد الهيئة معنىً حرفي والمعنى الحرفي غير قابل للتقييد، وذلك لما حقّقناه في بحث الواجب المشروط من أنّه لا مانع من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة، بل الوجه فيه هو أنّ القضية في أمثال الموارد في نفسها ظاهرة في رجوع القيد إلى المتعلّق والمعنى الاسمي دون الحكم ومفاد الهيئة.
وإن كان الحكم مستفاداً من مادّة الكلام، فقد عرفت ظهور القيد في رجوعه إلى الحكم إن لم يكن المتعلّق مذكوراً، وإلا فلا ظهور له في شيء منهما.»[4]
ولكن هذه الدعوى مشكلة، إذ أوّلاً: إنّ في كثير من الموارد التي يستفاد فيها الحكم من الهيئة، تكون الغاية المذكورة في القضيّة غاية للحكم، من دون وجود قرينة خاصّة علی ذلك؛ فمثلاً عندما قيل المرأة حال الحيض: «لا تمكني زوجك من نفسك حتّی تطهري» فإنّ المتفاهم من هذه العبارة أنّ الطهارة غاية لحرمة التمكين لا للتمكين نفسه.
على أنّ دعواه تعلّق الغاية بالمتعلّق وعدم تعلّقها بالموضوع، تنافي ما ادّعاه سابقاً من تعلّق الغاية بالموضوع في آية الوضوء.
وثانياً: حتّى في الموارد التي يستفاد فيها الحكم من المادّة ويذكر المتعلّق أيضاً، قد لا يشكّ في أنّ الغاية المذكورة في الكلام غاية للمتعلّق دون الحكم؛ فمثلاً إذا قيل: «يجب الصوم إلى الليل»، فإنّ «الليل» في هذه العبارة غاية للصوم لا للوجوب.
كما لا شكّ في أنّ الغاية في بعض الموارد تتعلّق بالحكم على الرغم من وجود هذه الحيثيّات؛ فمثلاً إذا قيل: «يجب القيام في الصلاة حتّى تعجز عنه» فإنّ الغاية المذكورة فيه غاية لوجوب القيام لا للقيام نفسه.
وأمّا الملاك الذي يعتمد عليه في مقام الإثبات، فسنتعرّض لبيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله.