46/11/19
بسم الله الرحمن الرحیم
التفصيل بين غاية الموضوع وغاية المتعلّق في إفادة الغاية للمفهوم/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ التفصيل بين غاية الموضوع وغاية المتعلّق في إفادة الغاية للمفهوم
تقدّم قول المحقّق الخراساني في التفصيل بين غاية الموضوع وغاية المتعلّق في إفادة الغاية للمفهوم.
وقد بيّن السيّد الخوئي موارد تعلّق الغاية في القضيّة فقال: «الغاية قد تكون غاية للموضوع، كما في مثل قوله تعالى: ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ﴾[1] ، وقد تكون غاية للمتعلّق، كقوله تعالى: ﴿أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[2] ، وقد تكون غاية للحكم، كقوله(ع): «كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام»[3] [4] ، وقوله(ع): «كلّ شيء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر»[5] [6] ، أو كقولنا: «يحرم الخمر إلى أن يضطرّ المكلّف إليه»، فإنّ الغاية في أمثال هذه الموارد غاية للحكم دون المتعلّق أو الموضوع.»[7]
أقول: قد يشكل على إمكان كون موضوع الحكم مغيّىً ـ بناءً على الاصطلاح الذي يفرّق فيه بين موضوع الحكم ومتعلّقه ـ فيدّعى امتناع جعل الغاية للموضوع، وذلك لأنّ الموضوع هو ما يفترض وجوده في القضيّة ويتعلّق الحكم بالمتعلّق على فرض وجوده، ومن المعلوم أنّ الموضوع إذا كان مغيّىً ينتفي عند بلوغ الغاية، وهذا ما ينافي بقائه الذي يتوقّف عليه تعلّق الحكم بالمتعلّق.
وبعبارة أُخرى: لا يعقل أن يقال بأنّ الحكم يتعلّق بالمتعلّق في فرض تحقّق الموضوع الذي ينعدم عند وصوله إلى غايته.
ولكنّ الجواب أنّ كون الموضوع مغيّىً معناه أنّه فرض وجود الشيء المقيّد بالغاية، لا أنّ فرض وجود ذلك الشيء بنفسه مغيّىً بغاية، ومعلوم أنّ الذي ينافي فرض الوجود هو أن يكون الفرض نفسه مغيّىً، لا أن يكون الشيء المفروض وجوده مغيّىً بغاية؛ فمثلاً في قولنا: «أرسل إليّ جميع الرسائل التي تمّ وصولها حتّى الساعة الثالثة» يكون الموضوع المفروض في القضيّة هو «الرسائل التي وصلت إلى الساعة الثالثة»، لا أنّ نفس فرض وصول الرسالة إلى الساعة الثالثة يكون مغيّىً بغاية يزول عند بلوغها.
وينبغي التنبيه إلى أنّ بعض القضايا قد يكون بلوغ الغاية فيها شرطاً لتحقّق الموضوع، كما في قولنا: «أحضر لي ماءً مسخّناً إلى خمسين درجة مئويّة»، فإنّ الموضوع هنا هو «الماء المسخّن إلى خمسين درجة»، فلا يتحقّق الموضوع قبل بلوغ الغاية. ويكون البحث في إفادة الغاية للمفهوم في مثل هذه الموارد في أنّه هل ينتفي الحكم ـ کوجوب الإحضار في المثال ـ قبل تحقّق الغاية أو لا؟
وأمّا المثال الذي ذكره السيّد الخوئي لغاية الموضوع فهو في الحقيقة مثال لغاية المتعلّق، إذ إنّ «المرفق» غاية لذات «الغسل» وموضوع الحكم ليس إلّا «اليد» من دون أن يكون الموضوع هو «اليد إلى المرفق» كي يكون «المرفق» غاية للموضو
وسنبيّن وجه هذا التفسير في ختام المسألة عند البحث في المعيار الإثباتي إن شاء الله.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني ذكر في مقام الاستدلال على أنّ الغاية إذا كانت غاية للحكم فإنّها تفيد المفهوم أنّ الدليل على ذلك هو الانسباق الحاصل من الغاية إلى الذهن، إذ الحكم إذا لم ينتف بعد الغاية، لم تكن الغاية المذكورة غاية للحكم في الحقيقة.
وأمّا في مقام الاستدلال على عدم إفادة الغاية للمفهوم إذا كانت غاية للموضوع، فقد ذكر أنّ الغاية حينئذٍ تكون في حكم الوصف وليس مقتضاها سوی ثبوت الحكم في خصوص المغيّى وعدمه في ما سواه من حيث شخص هذا الحکم، من دون أن تدلّ على انتفاء سنخ الحكم عن غير المغيّى، إذ لا تدلّ على ذلك وضعاً ولا تقترنه قرينة ـ ولو غالبيّة ـ تدلّ على اختصاص سنخ الحكم بالمغيّى. ففائدة تقييد الموضوع بالغاية كفائدة تقييده بسائر القيود ولا تنحصر في إفادة المفهوم.[8]
ونوكل مناقشة هذا المعنى إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.