46/11/13
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد مدعی الشيخ في المسألة/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/نقد مدعی الشيخ في المسألة
ذكرنا في الإشكال السادس على الاستدلالات المذكورة في كلام صاحب الهداية لإثبات خروج الغاية عن المغيّى أنّ «أصالة الحقيقة» إنّما تكشف عن «المراد الاستعمالي» ولا تكشف عن نفس ما وضع له اللفظ.
والإشكال الآخر الوارد على التمسّك بأصالة الحقيقة للكشف عمّا وضع له اللفظ هو أنّ مجرّد الاشتراك اللفظي لا ينفي الاستعمال في المعنى الحقيقي وإن كان تعيين كلّ من المعنيين الموضوع لهما محتاجاً إلى قرينة مميّزة.
كما أنّ القدر المشترك بين دخول الغاية في المغيّى وخروجها عنه لا يتحقّق بمجرد فرض خروج الغاية عنه، وذلك لأنّ الغاية إذا كانت داخلة في المغيّى وضعاً، كان لحاظ المغيّى بالنسبة إليها بنحو بشرط الشيء، وأمّا إذا كانت خارجة عنه، فقد أُخذ المغيّى بالنسبة إليها بنحو بشرط لا. ومن المعلوم أنّ النسبة بين هذين الموردين هي التباين، ولا يمكن للّفظ أن يدلّ وضعاً على الأمرين معاً إلّا إذا كان موضوعاً للقدر الجامع بينهما، وفي هذه الصورة يكون تعيين كلّ واحد منهما في مقام الاستعمال محتاجاً إلى قرينة، نظير ما هو الحال في الاشتراك اللفظي.
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم قد ذكر في المقام أنّه يمكن بلحاظ لفظ «النهاية» أن يدّعى أنّ المراد من الغاية هو الوصول إلى نقطة معيّنة، باعتبار أنّ مفهوم «النهاية» ينتزع من الجزء الأخير من الشيء المستمرّ، كما أنّ مفهوم «الابتداء» ينتزع من جزئه الأوّل. إلّا أنّ هذا لا يجدي في محلّ النزاع المتعلّق باستعمالات ألفاظ مثل «إلى» و«حتّى» بعنوان أداة الغاية والنهاية، فإنّ النهاية الحقيقيّة ليست مورداً للنزاع أصلاً، وإنّما تشير هذه الأدوات إلى نهاية اعتباريّة لا حقيقيّة، واستعمالاتها في الغالب مسامحيّة، وهو ما يفسح المجال للنزاع والاشتباه، وإن أمكن دعوى أنّ الأظهر هو خروج مدخولها عمّا قبلها.
نعم، وبما أنّ استعمال «إلى» و«حتّى» تسامحيّ، فقد يستظهر بالقرائن في بعض الموارد دخول مدخولها فيما قبله. ولكن عند فقد القرينة، فلابدّ من الرجوع في كلّ مورد إلى ما يقتضيه الأصل، ولا يصحّ التمسّك بأصل «عدم الدخول» مطلقاً، لأنّه إن أُريد به عدم الدخول موضوعاً، فهو معلوم بالوجدان، وإن أُريد به عدم الدخول حكماً، فإنّ مقتضى الأصل يختلف فيه بحسب الموارد. ومع عدم العلم بذلك، فالظاهر أنّ الحكم بالدخول هو المتعيّن بمقتضى «أصالة الحقيقة»، بشرط دعوى أنّ أداة الغاية موضوعة للدلالة على النهاية الحقيقيّة، كما هو الظاهر.[1]
ولكن قد يشكل على هذه الدعوى بأنّ الوجه الداعي إلى وقوع النزاع في المسألة ليس المسامحة في استعمال أداة الغاية، وإنّما منشؤه أنّ ما يتّخذ مدخولاً لأداة الغاية يكون غالباً من الأُمور ذات الأجزاء، فوقع التنازع في كيفيّة لحاظ الشارع أو المتكلّم لذلك المدخول، وهل أنّه لوحظ بعنوان أمر بسيط أو بعنوان أمر مركّب ذي أجزاء؟
ولذلك يمكن القول بأنّ غاية كلّ شيء ونهايته ـ كما أشار إليه الشيخ الأعظم أيضاً ـ يصدق على آخر جزء منه، فيقال: إنّ نهاية «الخطّ» أو «البصرة» أو «اليوم» هي آخر جزء منها. وعليه إذا أُخذ الشيء غاية لموضوع أو متعلّق الحكم، فالمقصود به آخر جزء من ذلك الموضوع أو المتعلّق، وإن أمكن النزاع في تعيين ما أُخذ غاية أيضاً.
هذا، على أنّ ما ذكره من مقتضى الأصل يرد عليه ما سيأتي بيانه في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.