46/11/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکالات الواردة علی مدعی صاحب الهداية/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/الإشکالات الواردة علی مدعی صاحب الهداية
قد تقدّم في الجلسة السابقة التعرّض للإشكال الوارد على الاستدلال الأوّل المذكور في كلمات صاحب الهداية في مقام إثبات خروج الغاية عن المغيّى، وذكرنا هناك أنّ مدخول أداة الغاية إن كان أمراً بسيطاً يغاير ما إذا كان مركّباً ذا أجزاء، فإنّ الغاية في الأوّل هي تمام مدخول الأداة، بخلاف الثاني، فإنّ الغاية فيه تحصل ببلوغ أوّل أجزائه.
نعم، قد يلحظ المتكلّم مدخول أداة الغاية بنحو الأمر البسيط وإن كان في الواقع ذا أجزاء، كما إذا كان لكلّ مجلّد من الكتاب أوراق وأجزاء متعددة، إلّا أنّه عند قوله: «أحضر لي من المجلّد الأوّل إلى الثالث من الكتاب»، قد اعتبر كلّ مجلّد بعنوان أمر بسيط غير ملتفت فيه إلى أجزائه وتفصيلاته.
ومن هنا قد ينشأ أحياناً الشكّ في أنّ المتكلّم هل لاحظ مدخول أداة الغاية بعنوان أمر بسيط أم بعنوان أمر مركّب ذي أجزاء، وهو ما يوجب التردّد في شمول المغيّی لمدخول أداة الغاية بأسره؛ فمثلاً في قوله: «اقرأ القرآن من الجزء الأوّل إلى الجزء الخامس» قد يقع الشكّ في أنّ الجزء الخامس هل أُخذ بلحاظ كونه أمراً بسيطاً فيلزم استيعابه بالقراءة، أم بلحاظ كونه ذا أجزاء بحيث يكفي في تحقّق الغاية بلوغ أوّل أجزائه ولا يجب قراءة جميعه؟
وبعبارة أُخرى: إنّ الشكّ في مثل هذه الموارد إنّما هو في تعيين ما أخذه المتكلّم غاية، لا في أصل دخول الغاية في المغيّى.
غير أنّه لا يبعد أن يقال بأنّ مقتضى الأصل في مثل هذه الموارد هو لحاظ الشيء ذي الأجزاء بما هو مركّب ومتعدّد الأجزاء، فيكون بلوغ الغاية فيها متحقّقاً بمجرّد الوصول إلى أوّل أجزائه، إلّا إذا قامت قرينة على لحاظه بعنوان أمر بسيط.
وثانياً: لا دليل على اعتبار الظنّ بالوضع ما لم يكن من الظنون المعتبرة. على أنّ دعوى أكثر النحويّين والأُصوليّين في المقام لا توجب حصول الظنّ بالوضع أصلاً، فإنّ استدلالاتهم معلومة، وإذا سقطت تلك الوجوه والاستدلالات لم يبق ما يقتضي إفادة ظنّ بالوضع على النحو الذي ادّعوه.
وثالثاً: إنّ إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب أو التمسّك بالأصل إنّما يجري في مورد الشكّ في المسألة؛ فإذا ادّعي الجزم بدخول الغاية في المغيّى، انتفی موضوعهما. هذا مضافاً إلى أنّ اعتبار قاعدة إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب في نفسه محلّ إشكال.
ورابعاً: لا كلام في أنّ الغاية في اللغة بمعنى نهاية الشيء، إلّا أنّه تقدّم أنّ هذا المعنى مفهوم انتزاعي ناشئ عن ملاحظة النسبة القائمة بين آخر أجزاء الشيء وما يليه ممّا هو خارج عنه. والبحث في المقام إنّما ينصبّ على أنّ الغاية هل تطلق على طرف النسبة الداخل ـ أي آخر جزء من الشيء ـ أو على الطرف الخارج عنه. وعليه فإنّ دعوى أنّ الغاية بما أنّها خارجة عن ذي الغاية فلا تكون داخلة في المغيّى، مصادرة على المطلوب. بل كما تقدّم فإنّ المتبادر إلى الذهن أنّ الغاية تطلق على آخر جزء من ذي الغاية، كما أنّ الابتداء يطلق على أوّل جزء منه.
وبعبارة أُخرى: لا فرق في الحقيقة بين معنى الغاية ومعنى النهاية أو الآخر، وكما يقال مثلاً: «إنّ أوّل الأنبياء آدم(ع) وآخرهم محمّد(ص)» ولا يشكّ في أنّ آدم(ع) والرسول الأكرم(ص) داخلان في جملة أنبياء الله تعالى، فكذلك الحال في المقام، فلا يشكّ في أنّ الغاية جزء من المغيّى.
وخامساً: إنّ حسن الاستفهام عن دخول الغاية في المغيّى أو عدمه ـ على فرض التسليم بأصل الدعوى مطلقاً ـ لا يدلّ على خروج الغاية عن المغيّى، إذ يمكن أن يقال بأنّ الاستفهام يكون غير مستحسن حتّى في فرض خروج الغاية عن المغيّى أيضاً.
إلّا أنّ أصل هذه الدعوى لا يمكن الالتزام به، فإنّه قد تقدّم أنّ حسن الاستفهام إنّما يختصّ بصورة عدم العلم بكيفيّة لحاظ المتكلّم لمدخول أداة الغاية إذا كان مركباً وأنّه هل لاحظه بعنوان أمر بسيط أم بعنوان أمر ذي أجزاء؟ فالاستفهام في هذه الموارد إنّما يكون في الحقيقة منصبّاً على تعيين الغاية التي لاحظها المتكلّم، لا على أصل دخول الغاية في المغيّى أو خروجها عنه.
وسادساً: إنّ التمسّك بأصالة الحقيقة إنّما يجري في مورد يكون فيه المعنى الحقيقي للّفظ معلوماً ويكون الشكّ في أنّ اللفظ هل استعمل في ذلك المعنى أو في المعنى المجازي. وعليه فلا يمكن الكشف عن المعنى الحقيقي نفسه بالتمسّك بهذا الأصل.
وترد على الدعوى إشكالات أُخرى نطرحها في الجلسة القادمة إن شاء الله.