« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/11/08

بسم الله الرحمن الرحیم

إستدلال القائلين بعدم دخول الغاية في المغيّى/ مفهوم الغاية/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/إستدلال القائلين بعدم دخول الغاية في المغيّى

 

طرحنا في الجلسة السابقة الأقوال الخمسة في مسألة دخول الغاية في المغيّى.

وقد نقل صاحب الهداية عدّة استدلالات للقائلين بالقول الأوّل منها:

1 ـ إنّ المتبادر من إطلاق اللفظ في حال فقدان قرينة على دخول الغاية في المغيّى أو عدمه، هو خروجها عنه بحيث يصحّ سلب دخولها فيه؛ فمثلاً «السير إلى الكوفة» لا يشمل الحركة داخل الكوفة قطعاً، وكذلك «الصوم إلى الليل» لا يشمل صيام الليل قطعاً. ويؤيّد ذلك أنّ من أتى بما أُمر به بين حدّي ابتدائه وانتهائه، يصدق الامتثال على عمله.

2 ـ إنّ أكثر النحويّين والأُصوليّين قد اختاروا هذا المبنى ممّا يفيد الظنّ بالوضع أو الظنّ بمراد المتكلّم من اللفظ.

3 ـ إنّ الغاية في أكثر الاستعمالات الواردة في كلام العرب تکون خارجة عن المغيّى ولو كان ذلك اعتمادًا على قرينة. فإذا شككنا في کون الغاية داخلة في المغيّى أو خارجة عنه، ينبغي حملها على كونها خارجة منه، لأنّ الظنّ يقتضي إلحاق المشكوك بالأعمّ الأغلب.

4 ـ إنّ الغاية بمعنى نهاية الشيء، والنهاية هي الموضع الذي ينتهي إليه، ولا يتحقّق ذلك إلّا إذا كانت الغاية خارجة عن المغيّى.

5 ـ إنّ الأصل يقتضي عدم الدخول، لأنّ المسألة تدور بين الزائد والناقص، ومعلوم أنّه إذا دار الأمر بين الأقلّ والأكثر، وجب الاكتفاء بالقدر المتيقّن.

إنّ الاستفهام عن حكم الغاية مستحسن غير مستنكر، وهذا يدلّ على كون الغاية خارجة عن المغيّى، إذ لو كانت داخلة فيه لم يكن للاستفهام وجه ولم يكن مستحسناً.

7 ـ إنّ الاستعمال وارد في كلا الموردين، وبما أنّ الأصل في الاستعمال هو الحقيقة، فينبغي الالتزام بأنّ الغاية موضوعة للقدر المشترك بين المعنيين، إذ لو كان استعمالها في أحدهما حقيقةً وفي الآخر مجازاً أو كان وضعها علی نحو الاشتراك اللفظي، للزم مخالفة الأصل المذكور. ومعلوم أنّ القدر المشترك بين الدخول والخروج إنّما يتحقّق بخروج الغاية عن المغيّى.[1]

وهذا هو القول الذي اختاره المحقّق الخراساني مستدلّاً عليه بالاستدلال الرابع.[2]

غير أنّ شيئاً من هذه الاستدلالات لا يتمّ.

فأوّلاً: إنّ دعوى التبادر مخالفة للوجدان، بل يمكن القول بأنّه إذا لم تكن هناك قرينة، فالمتبادر إلى الذهن هو دخول الغاية في المغيّى؛ فمثلاً إذا قال المولى لعبده: «أحضر لي من الجزء الأوّل إلى الجزء الرابع من كتاب كذا»، فإنّ الذهن کما يتبادر إليه طلب إحضار الجزء الأوّل، يتبادر إليه أيضاً مطلوبيّة إحضار الجزء الرابع من دون حاجة إلى قرينة، وكذلك إذا قيل: «اشتغل بالعمل الفلاني من السبت إلى الأربعاء» يفهم منه أنّ العمل مطلوب في يوم الأربعاء كما هو مطلوب في يوم السبت.

وبعبارة أُخرى: لا فرق بين المبدأ والمنتهى من هذه الجهة، وكما لا إشكال في دخول المبدأ في الحدّ المذكور فكذلك لا إشكال في دخول الغاية فيه.

وأمّا الأمثلة المذكورة لإثبات عدم دخول الغاية في المغيّى وصحّة سلبها، فهي غير صحيحة؛ ذلك أنّه عندما يقال: «سر من البصرة إلى الكوفة» فبما أنّ البصرة والكوفة منطقتان لهما أجزاء عديدة وليستا بسيطتين، يستطيع المأمور أن يجعل أيّ جزء منهما مبدأً أو غايةً لسيره، فيمكنه أن يبدأ من أوّل البصرة أو آخرها أو وسطها، كما أنّ امتثال الأمر يحصل بمجرّد وصوله إلى أيّ جزء من الكوفة، فيسقط الأمر بذلك. ولا يكون السير داخل الكوفة بعد ذلك امتثالاً لهذا الأمر، وليس هذا بمعنى خروج الغاية عن المغيّى، بل المدّعى هنا أيضاً هو دخول الغاية في المغيّى.

کما أنّ الليل بما أنّه ذو أجزاء متعدّدة فإنّ امتثال الأمر الوارد في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾[3] يتحقّق بمجرّد انتهاء النهار ومجيء أوّل جزء من الليل، فيسقط به الأمر ولا يعدّ الإمساك بعد ذلك في الأجزاء اللاحقة من الليل امتثالاً لهذا الأمر، فيمكن في هذا المورد أيضاً الادّعاء بأنّ أوّل أجزاء الليل داخل في المغيّى وهذه الآية لا تنافي ما تقدّم.

وبعبارة أُخرى: هناك فرق بين قولنا: «تابع الصيام إلى الليل» وقولنا: «صم إلى نهاية النهار»، فلا يمكن اعتبار العبارة الأُولى تعبيراً آخر عن الثانية، بل كما أنّه لا شكّ في العبارة الثانية بأنّ آخر أجزاء النهار داخل في المكلّف به، كذلك ينبغي القول في العبارة الأُولى بأنّ أول أجزاء الليل داخل فيه.


logo