46/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
دخول الغاية في المغيّى/ مفهوم الغاية/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ دخول الغاية في المغيّى
المقام الأول: دخول الغاية في المغيّى
هذا البحث يتعلّق بمنطوق الكلام ولا صلة له بالمفهوم، ولذا يمكن القول إنّه من مباحث علم اللغة لا علم الأُصول؛ غير أنّ بيان هذه المسألة لما يترتّب عليه من نتائج فقهيّة يجعل هذا المقام أنسب موضع لبحثها، ولذلك يحسن طرحها في هذا المقام.
وقد ذكر العضدي احتمالاً في المسألة وهو أنّ النزاع في مفهوم الغاية ليس إلّا في كون الغاية داخلة في المغيّى أو لا حيث قال: «قد يقال: الكلام في الآخر نفسه لا فيما بعد الآخر، ففي قوله: ﴿إِلَى الْمَرَافِقِ﴾[1] المرافق آخر وليس النزاع في دخول ما بعد المرفق.» [2]
وشرح التفتازاني كلامه بقوله: «يعني: سلّمنا أنّ ما بعد الغاية لو دخل لم تكن الغاية آخراً، لكنّ النزاع لم يقع فيه، إذ لم يقل أحد بدخول ما بعد المرافق في الغسل، وإنّما النزاع في نفس الغاية، فإنّ غيبوبة الشمس ونفس المرافق هل يلزم انتفاء الحكم فيه؟ ولا نعني بمفهوم الغاية سوى أنّها لا تدخل في الحكم، بل ينتفي الحكم عند تحقّقها.
هذا، ولكن عبارة الآمدى وغيره أنّ مفهوم الغاية نفي الحكم فيما بعد الغاية.»[3]
وقد استشكل صاحب الهداية على هذه الدعوی فقال: «ربّما يسبق إلى بعض الأوهام أنّ الخلاف في مفهوم الغاية إنّما وقع في نفس الغاية، وأمّا ما بعد الغاية فلا خلاف في مخالفته لما قبلها في الحكم...
وربّما يرشد إلى هذا الكلام ما ذكره العلامة في غير موضع من كتبه، والرازي من التفصيل في محلّ المسألة بين صورة انفصال الغاية عن المغيّی بمفصّل محسوس وغيرها، فإنّه إنّما يناسب الكلام في نفس الغاية، أمّا فيما بعدها فلا يعقل الفرق بين الصورتين.
ولا يخفى عليك ما فيه، فإنّ بين المسألتين بوناً بعيداً، إذ النزاع في أحدهما في دلالة المنطوق وفي الأُخرى في المفهوم، والخلاف في الأُولى إنّما هو في دلالة الكلام على موافقة الغاية للمغيّی في الحكم ودخولها فيه وعدمها، وفي الثانية في دلالته على مخالفة ما بعدها ـ لا قبلها ـ فيه وعدمها بعد القطع بعدم دلالته على توافقهما في الحكم.
فنفي الخلاف عن مخالفته لما قبلها في الحكم كما عن بعضهم ممنوع جدّاً بل فاسد قطعاً، إذ الخلاف في ذلك بين الخاصّة والعامّة ظاهر مشهور وينادي به عباراتهم وأدلّتهم، وعبارة المصنّف رحمه الله وغيره من الأُصوليّين كالسيّد والفاضلين والعميدي والآمدي والرازي وغيرهم في عنوان المسألة وبيان أدلّة الفريقين صريحة في ذلك.
نعم، ما ذكر من أنّه لم يقل أحد بمشاركة ما بعدها لما قبلها في الحكم ظاهر، ولا ربط له بما هو المقصود من إفادة المعنى المفهومي.»[4]
والحقّ في ذلك ما ذهب إليه صاحب الهداية.
ثمّ إنّه قد نُسب إلى الأصحاب في هذه المسألة أربعة أقوال[5] :
الأوّل: أنّ الغاية مطلقاً ليست داخلة في المغيّى.
الثاني: أنّ الغاية مطلقاً داخلة فيه.
الثالث: أنّها إذا كانت مجانسة للمغيّى، فهي داخلة فيه وإلّا فلا.
الرابع: أنّ الغاية المعبّر عنها بلفظ «حتّى» داخلة في المغيّى، وأمّا المعبّر عنها بلفظ «إلى» فليست داخلة فيه.
وهناك قول خامس أيضاً وهو أنّ الغاية إذا كانت متعلّقة بالحكم، فهي خارجة عن المغيّى، أمّا إذا كانت متعلّقة بالفعل فهي داخلة فيه.
وسندرس في الجلسة القادمة أدلّة القائلين بهذه الأقوال إن شاء الله.