« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 المعنی اللغوي للغاية/ مفهوم الغاية/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الغاية/ المعنی اللغوي للغاية

 

نقلنا في الجلسة السابقة كلمات صاحب الهداية في المعنى المراد من الغاية.

ويقول الشيخ الأعظم فيه: «الظاهر أنّ المراد من «المسافة» ليس خصوص المكان والزمان وإن كان يعطيه ظاهر بعض الكلمات في بعض المقامات، بل المراد مطلق الامتداد الحاصل في غير المكان والزمان أيضاً، كما في قولك: «أنشدت القصيدة من أوّلها إلى آخرها»، فإنّ المسافة المعقولة في ذلك ليست مكانيّة ولا زمانيّة، كما لا يخفى...

ثمّ المقصود فيما نحن بصدده يحتمل أن يكون النهاية، كأن يقال: «إنّ الحكم المفروض نهايته بإحدى آلات النهاية مثل لفظ «حتّى» أو «إلى» ينتفي بعد حصول النهاية أو لا؟» ويحتمل أن يكون المراد منه مدخول لفظ «إلى» و«حتّى».

والفرق بينهما أنّ مدخول لفظ «إلى» و«حتّى» لا يلزم أن يكون نهاية على الحقيقة، فإنّ مدخول تلك الآلات قد يكون ممّا يشتمل على أجزاء من الأُمور الممتدّة كالكوفة في قولك: «سر من البصرة إلى الكوفة» والليل في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [1] ‌ وقد لا يكون كذلك. فظهر أنّ مدخول الأداة لا يجب أن يكون نهاية.»[2]

أقول: الحقّ أنّ المراد من الغاية في المقام هو معناها اللغوي نفسه.

فقد قال الخليل في معناها: «الغاية: مدى كلّ شيء وقصاره، وألفه ياء، وهو من تأليف غين وياءين، وتصغيرها: غُييّة.»[3]

ويقول ابن منظور: «الغاية: مدى الشيء. والغاية أقصى الشيء... وغاية كلّ شيء: منتهاه. وجمعها: غايات وغاي، مثل ساعة وساع.»[4]

وهذا المعنى ـ كما تقدّم في كلمات صاحب الهداية ـ معنىً انتزاعي، فإنّ معنى «الابتدائيّة» ينتزع من النسبة القائمة بين أوّل جزء من الشيء وما قبله، كما يُنتزع معنى «الانتهائيّة» من النسبة بين آخر جزء من الشيء وما بعده، فيُسمّى طرف النسبة الأولى ابتداءً، وطرف النسبة الثانية انتهاءً أو غاية.

ونظير هذا المعنى يوجد في مفاهيم كـ «الفوقيّة» و«التحتيّة»، غير أنّ بين المقامين فارقاً وهو أنّ هذين المفهومين قد لوحظت فيهما نسبة واحدة من جهتين، فلا إشكال في تعيين الطرف الذي يطلق عليه لفظ «الفوق» أو «التحت» من بين طرفي النسبة.

أمّا في مفهوم «الانتهاء» فوجه الإشكال هو عدم وضوح الجهة الملحوظة في النسبة القائمة بين آخر جزء من الشيء وما يليه ـ أي الجزء الخارج عنه ـ إذ يتردّد في أنّ هذه النسبة هل لوحظت من جهة الجزء الداخل في الشيء أو من جهة الطرف الخارج عنه، وهو ما أدّى إلى اختلافهم في أنّ «الغاية» هل تدخل في المغيّى أم لا؟

وبناءً على ذلك يتّضح أنّ ما يقال من أنّ «من» لابتداء الغاية و«إلى» لانتهائها، فإنّ المراد من الغاية فيه هو «ذو الغاية»، أي السير أو الامتداد. ولذلك قال السيّد رضي الدين الأسترآبادي: «المراد بالغاية في قولهم: «ابتداء الغاية وانتهاء الغاية» جميع المسافة، إذ لا معنى لابتداء النهاية وانتهاء النهاية...

وتعرف «من» الابتدائية بأن يحسن في مقابلتها «إلى» أو ما يفيد فائدتها، نحو قولك: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، لأنّ معنى «أعوذ به»: ألتجئ إليه وأفرّ إليه، فالباء ههنا أفادت معنى الانتهاء.

وإذا قصدت بـ «من» مجرّد كون المجرور بها موضعاً انفصل عنه الشيء وخرج منه لا كونه مبتدئاً لشيء ممتدّ، جاز أن يقع موقعه «عن»، لأنّها لمجرد التجاوز كما يجيء، تقول: «خرجت من المكان وأخرج عنه»، و«انفصلت منه وعنه»، و«نهيت من كذا وعنه».»‌[5]

وعليه، فإنّ البحث يتفرّع إلى مقامين، الأوّل: في منطوق الغاية، والثاني: في مفهومها،
وسيستكمل الحديث عنهما في الجلسات القادمة إن شاء الله.


logo