46/10/29
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد رأی آية الله الخوئی في مفهوم الوصف/ مفهوم الوصف/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ نقد رأی آية الله الخوئی في مفهوم الوصف
تقدّم أنّ السيّد الخوئي يرى إمكان الالتزام بمفهوم الوصف إذا فسّر بأنّ الوصف يدلّ على انتفاء الحكم عن طبيعي الموصوف على نحو الإطلاق، وأمّا دلالته على انتفاء الحكم عن جميع حصص الموصوف فليس بصحيح عنده.
إلّا أنّ التفصيل الذي ذكره لا يمكن الالتزام به، وذلك لأنّه إذا قيل: إنّ الحكم ـ بناءً على أصالة احترازيّة القيد ـ لا يمكن أن يترتّب على ذات الموصوف بنحو الإطلاق، وأنّ نحو العبارة: «أكرم رجلاً عادلاً» تمنع من انعقاد الإطلاق في قولنا: «أكرم رجلاً»، فيلزم حينئذٍ أن يقال في موارد تعدّد القيود كذلك.
فلو ورد في دليل: «أكرم رجلاً عالماً» وفي دليل آخر: «أكرم رجلاً عادلاً» وكان كلّ من القيدين ـ العالم والعادل ـ محمولاً على الاحترازيّة، لوجب القول بأنّ كلّ واحد منهما يمنع من انعقاد الإطلاق في الآخر وأنّ المكلّف لا يكون مطالباً بإكرام كلّ عالم أو كلّ عادل، بل بإكرام من اجتمعت فيه الصفتان، أي: «رجل عالم عادل»، ولا وجه حينئذٍ للتفريق بين الصورتين بأن يقال: إنّ الوصف في الصورة الثانية فاقد للمفهوم وفي الأُولى واجد له.
وبعبارة أُخرى: إذا قبلنا بأنّ قضيّة: «أكرم رجلاً عادلاً» تفيد انتفاء الحكم عن الموصوف الفاقد لوصف العدالة وتقيّد إطلاق قضيّة: «أكرم رجلاً» بإخراج هذه الحصّة ـ أي: الرجل غير العادل ـ فلابدّ من الالتزام بمثل هذا المعنى في قضيّة: «أكرم رجلاً عالماً» أيضاً؛ ذلك لأنّ لمفهوم «الرجل العالم» حصصاً متعدّدة من جملتها: «رجل عالم فاسق»، وكما أنّ مفهوم «أكرم رجلاً عادلاً» يقتضي خروج حصّة «الرجل الفاسق» من تحت إطلاق «أكرم رجلاً»، فكذلك يجب أن يقال: إنّ قيد «العدالة» يخرج هذه الحصّة من إطلاق «الرجل العالم» أيضاً.
فإن قيل: يمتنع رفع اليد عن إطلاق قضيّة: «أكرم رجلاً عالماً» بمفهوم قضيّة: «أكرم رجلاً عادلاً»، لأنّ ما ينافي إطلاق منطوق القضية الأُولى هو إطلاق مفهوم القضيّة الثانية، أي: أنّ غير العادل وإن كان عالماً لا يجب إكرامه، والحال أنّ مفهوم القضيّة الثانية بحسب دعوى السيّد الخوئي لا إطلاق له وإنّما يدلّ على عدم وجوب إكرام غير العادل من حيث إنّه غير عادل.
قلنا: إنّ هذا الإشكال يقتضي الالتزام بعدم رفع اليد عن إطلاق قضيّة: «أكرم رجلاً» أيضاً، إذ يمكن القول هناك كذلك بأنّ لوجوب إكرام الرجل جهات متعدّدة، فمجرّد كونه غير عادل لا يستلزم نفي وجوب إكرامه مطلقاً، فلعلّ وجوب الإكرام ثابت له من جهة أُخرى. نعم، غاية ما يمكن الالتزام به هو نفي وجوب الإكرام عن الرجل من حيث كونه فاسقاً، لا أنّه لا يجب إكرامه حتّى لو كان متّصفاً بوصف آخر موجب للإكرام ـ كالعلم أو غيره ـ في حال اتّصافه بالفسق.
وأمّا الإشكال الذي يمكن إيراده على أصل دعوى السيّد الخوئي، فهو أنّ كون القيد احترازيّاً لا يستلزم دلالة القضيّة على انتفاء الحكم بانتفاء القيد، بل معناه أنّ القضيّة في فرض فقدان القيد، لا تدلّ على ثبوت الحكم للموضوع الفاقد له، وهذا غير دلالتها على نفي الحكم عن الفاقد كما بيّنّاه في الأبحاث التمهيديّة، فدلالة القضيّة على انتفاء الحكم بفقدان الحيثيّة التقييديّة ـ وهي الدلالة المفهوميّة ـ أمر وجودي، وأمّا عدم دلالتها على ثبوت الحكم في حال فقدان تلك الحيثيّة فإنّه أمر عدمي.
والحاصل: إنّ الفرق بين كون القيد احترازيّاً أو توضيحيّاً، يظهر في بقاء المنطوق أو ارتفاعه عند فرض رفع القيد، لا في دلالة القضيّة على المفهوم وعدمه. نعم، قد تكون احترازيّة القيد في بعض الموارد قرينة على انتفاء الحكم عن الموصوف إذا رفع عنه الوصف أو إذا اتّصف بالوصف المناقض له، وهو ما سنوضّحه عند بيان المبنى المختار إن شاء الله تعالى.