« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/28

بسم الله الرحمن الرحیم

الاقوال فی خصوص التفصيل بين الوصف الغالبی و غير الغالبی/ مفهوم الوصف/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ الاقوال فی خصوص التفصيل بين الوصف الغالبی و غير الغالبی

 

تحدّثنا في الجلسة السابقة حول دعوى صاحب القوانين في وجه التفصيل بين الوصف الغالبي وغيره وكذا عن إشكال الشيخ عليها.

ويقول المحقّق الإصفهاني في مقام ردّ هذا التفصيل: قد يتوهّم أنّ الغلبة توجب انصراف المطلق إلى الفرد الغالب، فيكون تقييد الحكم بالوصف الغالبي بمنزلة التقييد بالوصف المساوي الذي لا يترتّب عليه مفهوم.

ولكنّ الجواب أوّلاً: إنّ الغلبة الخارجيّة لا تستلزم الانصراف. وثانياً: إنّ فرض الانصراف لا يجعل الوصف الغالبي في حكم الوصف المساوي، لأنّه مع فرض الانصراف يبقى إمكان تحقّق الموصوف في غير الفرد الغالب ـ أي في الفرد النادر ـ وهو ما لا يتأتّى في الوصف المساوي الذي يستوعب جميع أفراد الموصوف. وثالثاً: إنّ الالتزام بالانصراف ينافي ما عليه المشهور في الموارد التي ورد فيها الحكم مورد الغالب، حيث لم يقيّدوا المطلق بذلك، كما هو الحال في الآية الشريفة.[1]

والحقّ في المقام ما ذهب إليه الشيخ الأعظم والمحقّق الإصفهاني من عدم صحّة هذا التفصيل، وأنّه لا وجه للتمييز بين الوصف الغالبي وغيره في إفادة المفهوم.

ويتّضح من هذا البيان أيضاً الجواب عن دعوى ابن الحاجب والعضدي.

التفصيل الثالث: ذهب السيّد الخوئي في هذه المسألة إلى تفصيل يعتمد على نفس البيان الذي نقله الشيخ الأنصاري عن الشيخ البهائي والذي تقدّم تفصيله في الاستدلال الثالث الذي استند إليه القائلون بإفادة الوصف للمفهوم.

فهو يری لإفادة الوصف للمفهوم وجهين:

1 ـ انتفاء الحكم عن جميع حصص الموضوع بانتفاء الوصف؛ بمعنی أنّه إذا ورد في دليل: «أكرم رجلاً عالماً»، فمفهومه عدم وجوب إكرام الرجل غير العالم ولو كان عادلاً أو شجاعاً أو متّصفاً بأيّ وصف آخر.

2 ـ انتفاء الحكم عن الموضوع المطلق بانتفاء الوصف؛ بمعنی أنّه يمكن أن ندّعي في المثال الآنف بأنّ مفهوم هذه القضية هو: «لا يجب إكرام رجل بنحو مطلق». وبعبارة أُخرى فإنّ القضية الوصفيّة تدلّ على نفي الحكم عن طبيعي الموصوف علی نحو الإطلاق.

فإنّه يذهب إلی أنّه إن كان المراد من إفادة الوصف للمفهوم المعنى الأوّل، فمن المعلوم أنّ الجملة الوصفيّة لا تدلّ على ذلك، لأنّ ثبوت الحكم لحصّة خاصّة من الموضوع لا ينافي ثبوته لحصّة أُخرى منه. وأمّا إذا كان المراد منه المعنى الثاني، فيمكن الالتزام به، والوجه فيه هو أنّ قيود الموضوع احترازيّة.

ثمّ تابع قائلاً: «إنّ هذه النقطة التي ذكرناها قد أُهملت في كلمات الأصحاب ولم يتعرّضوا لها في المقام، لا نفياً ولا إثباتاً، مع أنّ لها ثمرة مهمّة في الفقه، منها: ما في مسألة حمل المطلق على المقيّد حيث إنّ المشهور قد خصّوا تلك المسألة ـ فيما إذا كانا مثبتين أو منفيين ـ بما إذا كان التكليف فيهما واحداً، وأمّا إذا كان متعدّداً فلا يحملوا المطلق على المقيّد. وأمّا على ضوء ما ذكرناه من النقطتين فيحمل المطلق على المقيّد ولو كان التكليف متعدّداً، كما إذا ورد في دليل: «لا تكرم عالماً»، وورد في دليل آخر: «لا تكرم عالماً فاسقاً»، فانّه يحمل الأوّل على الثاني مع أنّ التكليف فيهما انحلالي. وكذا إذا ورد في دليل: «أكرم العلماء» ثمّ ورد في دليل آخر: «أكرم العلماء العدول»، فيحمل الأوّل على الثاني، والنكتة في ذلك هي ظهور القيد في الاحتراز، يعني أنّه يدلّ على أنّ الحكم ـ وهو وجوب الإكرام ـ لم يثبت للعالم على نحو الإطلاق وإنّما ثبت لحصّة خاصّة منه ـ وهو العالم العادل في المثال دون العالم مطلقاً ولو كان فاسقاً ـ ومن الواضح أنّه لا فرق في‌ دلالة القيد على ذلك بين كون التكليف واحداً أو متعدّداً.»[2]

غير أنّه من الواضح أنّ هذه الدعوى ليست سوی نفس ما ذهب إليه الشيخ البهائي من إفادة الوصف للمفهوم في فرض كونه مقابل المطلق؛ ومرجعها في الحقيقة إلى القول بلغويّة ذكر القيد في هذا الفرض إن لم يكن له مفهوم، إذ بما أنّ الأصل في القيود أن تكون احترازيّة ولا معنى للاحترازيّة إلّا عدم ترتّب الحكم على الموضوع الفاقد للقيد على نحو الإطلاق، فلو لم يفد الوصف المفهوم لكان ذكره في الكلام لغواً.

إلّا أنّ هذا التفصيل الذي تبنّاه في المسألة لا يمكن الالتزام به، إذ ترد عليه إشكالات من جهة النقض والحلّ كما سيتّضح لاحقاً.


logo