46/10/24
بسم الله الرحمن الرحیم
توضيح مدعی الشيخ في الإشکال علی الفخر الرازي/ مفهوم الوصف/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ توضيح مدعی الشيخ في الإشکال علی الفخر الرازي
تقدّم في الجلسة السابقة بيان التفصيل الذي ذهب إليه كلّ من الفخر الرازي والعلّامة الحلّي، حيث فرّقا في دلالة الوصف على المفهوم بين ما إذا كان الوصف غالبيّاً أو لا.
وقد ذهب ابن الحاجب إلى هذا التفصيل أيضاً، فاشترط في العمل بمفهوم المخالفة لأيّ قيد أن لا يكون مذكوراً على وجه الغلبة. وقال العضدي في شرح هذا المدّعی: «ثمّ ذکر أنّ شرط مفهوم المخالفة بأقسامه أُمور:
...الثاني: أن لا يكون قد خرج مخرج الأغلب المعتاد مثل: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِكُمْ﴾[1] ، فإنّ الغالب كون الربائب في الحجور ومن شأنهنّ ذلك، فقيّد به لذلك، لا لأنّ حكم اللاتي لسن في الحجور بخلافه. ومثل قوله تعالى: ﴿فإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾[2] ، وذلك أنّ الخلع غالباً إنّما يكون عند خوف أن لا يقوم كلّ من الزوجين بما أمر الله، فلا يفهم منه أنّ عند عدم الخوف لا يجوز الخلع. ومثل قوله(ص): «أيّما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليّها فنكاحها باطل»، فإنّ الغالب أنّ المرأة إنّما تباشر نكاح نفسها عند منع الولى، فلا يفهم منه أنّها إذا نكحت نفسها بإذن وليّها لم يكن باطلاً.»[3]
وكذلك أجاب المحقّق الخراساني عن الاستدلال بقوله تعالى: ﴿وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِی فِی حُجُورِكُمْ﴾ على عدم إفادة الوصف للمفهوم بأنّ عدم إفادة الوصف في الآية الشريفة للمفهوم لكونه قيداً غالبيّاً. [4]
هذا؛ ولكنّ الشيخ الأعظم اعترض على هذا التفصيل ووجّه الإشكال إلى ما ذكره الرازي فقال: إنّ استدلاله إنّما يتمّ لو قلنا بأنّ دلالة الوصف على المفهوم مبنيّة على دفع اللغويّة، أو ذهبنا إلی توقّف التمسّك بأصالة الحقيقة علی ما إذا أفادت الظنّ. أمّا إذا قلنا بأنّ إفادة القضيّة للمفهوم أمر وضعي وأنّ التمسّك بالأصل المذكور لا يتوقّف على إفادة الظنّ، فلا وجه للتفصيل الذي ذكره. [5]
وتوضيح هذا الادّعاء أنّه إذا كان وجه إفادة الوصف للمفهوم هو دفع اللغويّة، فيمكن حينئذٍ التفصيل، بأن يقال: في القيود الغالبيّة توجد قرينة على أنّ القيد وارد للتوضيح لا للتقييد، فلا يكون ذكره لغواً من دون إفادة المفهوم، إذ إنّ اللغويّة إنّما تترتّب على القيد الذي لا يفيد مفهوماً إذا ثبتت احترازيّته ولو بالأصل، بينما إذا لم يكن دليل إفادة الوصف للمفهوم دعوى لغويّته من دون إفادته المفهوم، فلا فرق حينئذٍ بين الوصف الغالبي وغيره.
كما أنّ إفادة الوصف للمفهوم إنّما تكون فيما إذا ثبت بالتمسّك بالأصل كون استعماله حقيقيّاً، حيث لا تثبت أوصاف مثل: «الكون في الحجر» للربيبة إلّا إذا كانت الربيبة كذلك في الواقع، وإلّا لزم الالتزام بفقدان الوصف وعدم تحقّق الموضوع، فلا يمكن ترتّب الحكم المذكور في القضيّة على الربيبة التي ليست في حجر الزوج.
وأمّا إذا ادّعي أنّ التمسّك بأصالة الحقيقة لا يجوز إلّا إذا أفادت عند من يجري الأصل ظنّاً شخصيّاً بمضمونه، ففي هذه الصورة يمكن القول بأنّه بما أنّ الوصف الغالبي لا يحصل فيه مثل هذا الظنّ، فإنّ الأصل المذكور لا يجري فيه أيضاً، وعليه فلا يصحّ ادّعاء عدم شمول الحكم للفرد الفاقد للوصف.
غير أنّ هذا الإشكال لا يرد على دعوى الفخر الرازي، لأنّ ظاهر كلامه أنّه يدّعي أنّه إذا لم يكن الوصف غالبيّاً، فهو في حكم الشرط، وإفادته للمفهوم إنّما هي بواسطة ذلك، وأمّا إذا كان غالبيّاً، فلم يكن بحكم الشرط، ولا علاقة لجواب الشيخ بالدعوى المذكورة.
إذن ينبغي أن يجاب على دعواه بأنّا قد ذكرنا سابقاً بأنّ تطابق المعنى المنطوقي في قضيتين لا يستلزم تطابقهما في المعنى المفهومي أيضاً، لأنّ تطابق المنطوقين ليس من جميع الجهات؛ فمثلاً القضيّتان: «أكرم زيداً الجائي» و«إن جاء زيد فأكرمه» وإن اشتركتا في إفادة معنىً واحد وهو وجوب إكرام زيد في فرض مجيئه، إلّا أنّ بينهما فرقاً دقيقاً، وذلك لأنّ وجوب الإكرام في الجملة الشرطيّة معلّق على المجيء، بينما هذا التعليق غير موجود في الجملة الوصفيّة.
ولذلك فإنّ استفادة المفهوم من القضيّة الشرطيّة لا تستلزم بالضرورة استفادته من القضيّة الوصفيّة وإن تشابهتا من حيث المنطوق، أي من حيث ثبوت الحكم عند تحقّق الموضوع وقيده.
وعليه فحتّى لو سلّم بأنّ الوصف غير الغالبي يعادل الشرط في المعنى وأنّ الغالبي ليس كذلك، فلا يلزم من ذلك أن يفيد المفهوم كما تفيده الجملة الشرطيّة.
اللهمّ إلّا إذا ادّعي أنّ الوصف إذا لم يكن غالبيّاً، فإنّ الحكم يكون معلّقاً عليه كما هو معلّق على الشرط.
ولكن يُجاب عن هذه الدعوى أوّلاً: أنّ هذا الادّعاء يفتقر إلى الإثبات ولا دليل عليه.
وثانياً: لو فرض أنّ هذا التعليق ناشئ من الوضع، فإنّه لا يفرّق حينئذٍ بين الوصف الغالبي وغيره، لأنّ الفرق ـ لو ثبت ـ إنّما يكون في مقام الاستعمال لا في مقام الوضع.
ولصاحب القوانين توجيه في بيان الفرق بين الوصف الغالبي وغيره سنعرضه ونناقشه في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.