46/10/20
بسم الله الرحمن الرحیم
أدلّة القائلين بعدم إفادة الوصف للمفهوم مطلقاً/ مفهوم الوصف/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ أدلّة القائلين بعدم إفادة الوصف للمفهوم مطلقاً
المقام الثاني: أدلّة القائلين بعدم إفادة الوصف للمفهوم مطلقاً
إنّ القائلين بعدم إفادة الوصف للمفهوم قد استدلّوا بأُمور:
الاستدلال الأوّل: وهو ما ذكره الميرزا النائيني حيث بيّن أنّ القيود الواردة في القضايا تارة تكون من قيود المفاهيم الإفراديّة قبل وقوع النسبة عليها، فيكون المقيّد في هذه الحالة هو ما يقع طرفاً للنسبة، سواء أكان متعلّق الحكم أم موضوعه. وتارة تكون من قيود الجملة التركيبيّة، أي من قيود المادّة المنتسبة، بحيث يقع القيد على نفس المادّة في رتبة النسبة وبيّن أنّ ملاك دلالة القيد على المفهوم هو كونه من قيود المادّة المنتسبة، إذ حينئذٍ يرتفع الحكم بارتفاع القيد، لأنّ بقاء الحكم مع انتفاء القيد يدلّ على أنّ الحكم لم يكن مقيّداً به، وهو خلاف الفرض.
أمّا إذا كان القيد من قبيل القسم الأوّل، فإنّ أقصى ما يترتّب عليه هو ثبوت الحكم للمقيّد، وثبوت الحكم لشيء لا يستلزم نفيه عن غيره وإلّا للزم أن تكون كلّ قضيّة تثبت حكماً لشيء دالّة على المفهوم، وهو واضح البطلان.
وعليه، فإنّ دلالة الوصف على المفهوم تتوقّف على كونه قيداً لنفس الحكم لا قيداً للموضوع أو متعلّقه. وحيث إنّ ظاهر الأوصاف كونها من قيود المفاهيم الإفراديّة، فالأصل فيها عدم إفادتها للمفهوم.
وأمّا ما اشتهر من أنّ تعليق الحكم على الوصف يُشعر بعلّيته، فعلى فرض التسليم بهذا الإشعار، فإنّه لا يرقى إلى مرتبة الظهور، ولا حجّية في مجرّد الإشعار ما لم يبلغ هذه المرتبة.
نعم، إذا قامت قرينة خارجيّة تدلّ على أنّ مبدأ الوصف علّة للحكم، أو أنّ القيد المذكور في الكلام قد أُخذ قيداً لنفس الحكم لا لموضوعه أو متعلّقه، فإنّ القضيّة حينئذٍ تدلّ على انتفاء الحكم بانتفاء الوصف، لكنّه خارج عن محلّ النزاع في مسألة إفادة الوصف للمفهوم.[1]
غير أنّه يمكن الإشكال على هذه الدعوى بأنّ انتفاء كلّ قيد من قيود القضيّة ـ سواء أكان من قيود الموضوع أو متعلّق الحكم أو من قيود نفس الحكم ـ يستلزم انتفاء الحكم المذكور في القضيّة تبعاً لذلك، بمعنى أنّ القضيّة حينئذٍ لا تعود دالّة على ثبوت الحكم، لأنّ أحد أركان دلالتها قد انتفى، إمّا الموضوع، أو المتعلّق، أو القيد الذي يتوقّف عليه تعلّق الحكم بمتعلّقه. ومن هنا قلنا سابقاً: إنّ قيود المادّة ترجع في الحقيقة إلى قيود الهيئة.
ولكن كما أُشير إليه سابقاً، فإنّ هذا الأمر لا علاقة له بإفادة القضيّة للمفهوم، إذ المفهوم أمر وجودي، بينما انتفاء الحكم المنطوقي لانتفاء بعض القيود أمر عدمي.
وبعبارة أُخرى: لا تثبت دلالة القضيّة على المفهوم لمجرّد انتفاء مدلولها المنطوقي عند فقدان القيد، بل لابدّ أن تفهم من القضيّة دلالة إيجابيّة على انتفاء الحكم عند انتفاء القيد.
على أنّ الميرزا النائيني نفسه صرّح في مقام البحث عن مفهوم الشرط بأنّ إفادة الشرط للمفهوم مشروطة بكونه علّة منحصرة للحكم.[2] وعليه، فمجرّد كون القيد من قيود الحكم لا يكفي في إفادة المفهوم ما لم يثبت علّيّته المنحصرة.
ويتّضح من هذا الجواب أنّ ما أُجيب به عن دعوى إشعار تعليق الحكم على الوصف بالعلّيّة ـ من أنّ الإشعار غير حجّة ما لم يبلغ مرتبة الظهور ـ غير تامّ، لأنّه يتضمّن التسليم بأنّ الوصف يدلّ على المفهوم بنحو ما، ولكن لا يحتجّ به لضعف مرتبة ظهوره، وهذا في حدّ ذاته قبول بنوع من الدلالة المفهوميّة.
فالصحيح أن يُجاب عن هذه الدعوى بأنّه أوّلاً: مجرّد إشعار الوصف بالعلّيّة لا يكفي في دلالته المفهوميّة، لأنّه دعوىً غير تامّة في أصلها؛ وثانياً: على فرض التسليم بدلالته على العلّيّة، فإنّها لا توجب إفادة المفهوم ما لم تثبت علّيّته الانحصاريّة للحكم.