46/10/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الاستدلال الرابع على إفادة الوصف للمفهوم/ مفهوم الوصف/ المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ الاستدلال الرابع على إفادة الوصف للمفهوم
تقدّم في الجلسة السابقة عرض دعوى الشيخ الأنصاري والمحقّق الخراساني في الإشكال على ما ذكره الشيخ البهائي.
إلّا أنّ المحقّق الإصفهاني ناقش دعوى المحقّق الخراساني قائلاً: إن كان الوصف مفيداً للمفهوم، فالتعارض بين المطلق والمقيّد المثبتين يكون تعارضاً ذاتيّاً، وإن لم يكن كذلك فإنّما يكون تعارضاً عرضيّاً ناشئاً عن دلالة دليل خارجي على وحدة الحكم. [1]
ويمكن دفع هذا الإشكال بأنّ مراد المحقّق الخراساني أنّ حمل المطلق على المقيّد فيما إذا کانا مثبتين لا يکون إلّا إذا دلّ دليل خارجي على وحدة الحكم، وإلّا فإنّ العرف لا يرى بينهما تعارضاً يقتضي الجمع بحمل المطلق على المقيّد ليدّعى أنّ هذا الحمل ناشئ عن تعارض ذاتي يستلزم إفادة الوصف للمفهوم.
نعم، يمكن الإيراد على ما ذكره المحقّق الخراساني في ذيل كلامه بأنّه لا إشكال في تقدّم ظهور المقيّد المفهومي على ظهور المطلق المنطوقي؛ إذ العرف يقدّم الخاصّ على العامّ والمقيّد على المطلق ولو كانت دلالة الخاصّ أو المقيّد مفهوميّة ودلالة العامّ أو المطلق منطوقيّة؛ فمثلاً إذا ورد في دليل: «أكرم زيداً» وفي آخر: «إن جاء زيد فأكرمه»، فإنّه يمكن ـ تمسّكاً بمفهوم الشرط في الدليل الثاني ـ رفع اليد عن إطلاق الدليل الأوّل والحكم بعدم وجوب إكرام زيد في حال عدم مجيئه.
الاستدلال الرابع: قد ورد في تفسير الحديث النبوي(ص): «ليّ الواجد يحلّ عقوبته وعرضه» عن بعض علماء العامّة کأبي عبيد القاسم بن سلام أنّه قال: «قوله: «ليّ الواجد»، فقال: الواجد، فاشترط الوجد، ولم يقل: ليّ الغريم؛ وذلك أنّه قد يكون أن يكون غريماً وليس بواجد. وإنّما جعل العقوبة على الواجد خاصّة، فهذا يبيّن لك أنّه من لم يكن واجداً، فلا سبيل للطالب عليه بحبس، ولا غيره حتّى يجد ما يقضی.»[2]
وقد أشار أبو حامد الغزالي إلى دعوی الشافعي إفادة الوصف للمفهوم وإلی احتجاج بعض القائلين بمفهوم الوصف بهذا الحديث کأبي عبيدة معمّر بن المثنّى ـ أُستاذ أبي عبيد ـ حيث قال: «وقد احتج القائلون بالمفهوم بمسالك:
الأوّل: أنّ الشافعي... من جملة العرب ومن علماء اللغة، وقد قال بدليل الخطاب، وكذلك أبو عبيدة من أئمّة اللغة، وقد قال في قوله عليه السلام: «ليّ الواجد ظلم يحلّ عرضه وعقوبته» فقال: دليله أنّ من ليس بواجد لا يحلّ ذلك منه...
والجواب: أنّهما إن قالاه عن اجتهاد فلا يجب تقليدهما، وقد صرّحا بالاجتهاد إذ قالا: لو لم يدلّ على النفي، لما كان للتخصيص بالذكر فائدة. وهذا الاستدلال معرض للاعتراض كما سيأتي، فليس على المجتهد قبول قول من لم تثبت عصمته عن الخطأ فيما يظنّه بأهل اللغة وبالرسول، وإن كان ما قالاه عن نقل فلا يثبت هذا بقول الآحاد، ويعارضه أقوال جماعة أنكروه، وقد قال قوم: لا تثبت اللغة بنقل أرباب المذاهب والآراء، فإنّهم يميلون إلى نصرة مذاهبهم، فلا تحصل الثقة بقولهم.»[3]
والحقّ ما ذهب إليه الغزالي.