« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/13

بسم الله الرحمن الرحیم

 أدلّة القائلين بإفادة الوصف للمفهوم مطلقاً/ مفهوم الوصف/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ أدلّة القائلين بإفادة الوصف للمفهوم مطلقاً

 

كنّا قد طرحنا في الجلسة السابقة دعوى بعض الشافعيّة في دلالة قضيّة: «في الغنم السائمة زكاة» على المفهوم، وذكرنا أنّهم زعموا أنّها تدلّ على نفي الزكاة عن الإبل المعلوفة، كما عرضنا الإشكال الوارد على هذه الدعوى.

وقد أشكل صاحب الكفاية على هذه الدعوى بأنّها مبنيّة على استفادة العلّيّة المنحصرة من الوصف، وعليه ينبغي القول بشمول البحث لما إذا كان الوصف مساوياً للموصوف أو أعمّ منه مطلقاً أيضاً، إذ ـ بناءً عليه ـ يمكن دعوی انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف في هذين الموردين كذلك.[1]

لكن يجاب عنه بأنّه قد تقدّم أنّه إذا كان الوصف مساوياً للموصوف أو أعمّ منه مطلقاً، فإنّ انتفاء الوصف يستلزم انتفاء الموضوع، فلا يبقى مورد لتعلّق الحكم به ولا يتصوّر معه معنىً لانتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ دعوى دلالة القضيّة الوصفيّة على المفهوم إذا شملت نفي الحكم عن موضوع آخر غير الموضوع المذكور فيها بانتفاء الوصف، فإنّ انتفاء موضوع القضيّة بسبب زوال الوصف لا يقدح في إفادتها للمفهوم.

نعم، يرد علی ما ذكره المحقّق الخراساني أنّ الدعوى المذكورة لا تبتني على القول بكون الوصف علّة منحصرة لتعلّق الحكم بمتعلّقه بحيث يلزم الالتزام بها بمجرد القول بهذا المبنى، إذ إنّ الوصف وإن فرض كونه علّة منحصرة لا يقتضي نفي الحكم عن غير الموضوع المأخوذ في القضيّة.

وبعد بيان هاتين المقدّمتين وتحديد محلّ النزاع، ننتقل إلى البحث في أصل المسألة.

وقد قيل في إفادة الوصف للمفهوم ثلاثة أقوال نعرضها ضمن ثلاثة مقامات:

 

المقام الأوّل: أدلّة القائلين بإفادة الوصف للمفهوم مطلقاً

ذكر في مقام الاستدلال على إفادة الوصف للمفهوم وجوه، منها:

الوجه الأوّل: أنّه لو لم يفد الوصف مفهوماً لكان ذكره في القضيّة لغواً، إذ إنّ الحكم يترتّب حينئذٍ على الموضوع على كلّ حال، سواء وجد الوصف أم لم يوجد.

ولكن يجاب عن ذلك بما تقدّم في أوائل المباحث التمهيديّة من أنّ فائدة إدراج أيّ قيد في الموضوع ـ ومنه الوصف ـ هي تضييق دائرة المنطوق بحيث تفيد القضيّة الحكم في صورة وجود القيد فقط وينتفي المنطوق بانتفائه.

وعليه فإنّ رفع اللغويّة عن ذكر الوصف لا يتوقّف على إفادته للمفهوم، بل يكفي في ذلك كونه مضيّقاً لدائرة المنطوق.

بل إنّ دعوى لزوم لغويّة ذكر الوصف إذا لم يفد مفهوماً تقتضي أن يفيد كلّ قيد من قيود موضوع الحكم مفهوماً ولا يختصّ ذلك بالوصف.

ثمّ إنّ المحقّق العراقي قال في تقريب كيفيّة التمسّك بلزوم اللغويّة لإثبات المفهوم للوصف: «إنّ إناطة الحكم وتعليقه بالوصف الذي هو أمر عرضي في نحو قوله: «أكرم زيداً العادل» دون ذات الموصوف ودخل العنوان العرضي في موضوع الحكم، تكشف عن أنّ ما له الدخل في ترتّب الحكم على الذات إنّما هو ذلك العنوان العرضي، ولازم ذلك لا محالة هو انتفاء سنخ الحكم المحمول في القضيّة عند انتفاء الوصف، وإلا فلو فرض ثبوت شخص حكم آخر مثله للذات في مورد فقد الوصف، يلزمه أن يكون ما له الدخل في ترتّب الحكم هو ذات الموصوف، وفي مثله يلزم لغويّة ذكر القيد.»[2]

ثمّ أشكل عليه بأنّ التقريب المذكور لو تمّ، فإنّما يتمّ في موارد خاصّة كالمثال المذكور في الإشكال، حيث يدّعى أنّه لولا دخل الوصف في اختصاص الحكم بمورده، لكان المقتضي للحكم هو ذات الموصوف، وهو ما لا يناسب في مورد كعنوان «الفاسق» نظراً إلى عدم ملائمة حكم وجوب الإكرام له، فتتوجّه حينئذٍ دعوى استناد الحكم إلى العنوان العرضي.

وأمّا في الموارد التي يكون فيها الوصف من قبيل: «القيام» أو «القعود» ونحوهما، فلا مجال لهذا التقريب، لعدم اقتضاء الحكم اختصاصاً يرتبط بمناسبة بين الحكم والوصف.[3]

غير أنّ التفصيل الذي ذكره في مقام الإشكال على ذلك الاستدلال بالتفريق بين أقسام الوصف، لا يرتبط بمسألة لغويّة ذكر الوصف عند عدم إفادته للمفهوم، بل يرجع إلى جهة مناسبة الحكم للموضوع، وهي نكتة أجنبيّة عن محلّ البحث.

بل إنّ أصل الدعوى باطلة حتّى من هذه الجهة، على ما سيأتي بيانه في الجلسة القادمة.


logo