« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/10

بسم الله الرحمن الرحیم

النسبة بين الوصف و الموصوف/ مفهوم الوصف/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ النسبة بين الوصف و الموصوف

 

قد تقدّم أنّه إذا حذف الموصوف في القضيّة بقرينة لفظيّة أو معنويّة، فإنّ العرف ينزله منزلة المذكور ويعدّه هو الموضوع للحكم لا الوصف نفسه.

كما أنّ الشرط قد يحذف من الجملة الشرطيّة بقرينة من غير أن يؤدّي ذلك إلى سقوط دلالتها على المفهوم بسبب عدم التصريح بالشرط؛ فمثلاً إذا سُئل: «ما هي وظيفتي إن جاء زيد؟» فقيل في الجواب: «أكرمه»، أمكن دعوى دلالة الجواب على المفهوم، لأنّ الجملة بمقتضى القرينة بمنزلة: «إن جاء زيد فأكرمه»، غاية الأمر أنّ الشرط قد حذف لقيام قرينة لفظيّة تدلّ عليه ولا ينافي ذلك إفادتها للمفهوم.

فإن قيل: قد ادّعيتم سابقاً أنّ التطابق في المعنى المنطوقي بين عبارتين لا يستلزم تطابقهما في إفادة المفهوم.

قلنا: لا منافاة بين الدعويين، فإنّ البحث المتقدّم إنّما كان ناظراً إلى مجرّد التطابق في المدلول المنطوقي، وأمّا الكلام هنا فمبني على كون المحذوف بمنزلة المذكور عرفاً.

ويؤيّد هذا ما يرى في مثل قولهم: «أكرم العالم العادل»، فإنّ العرف لا يفرّق من حيث دلالة الوصف على المفهوم بين أحد الوصفين والآخر، إذ لا يظهر له فرق من هذه الجهة بين «العالم» و«العادل». فدعوى عدم دلالة الوصف الثاني على المفهوم بمجرّد عدم كونه وصفاً نحويّاً لا مسوّغ لها في نظر العرف.

وبالنظر إلى ذلك يتّضح أنّ هذا الادّعاء لا يبتني على أنّ الأوصاف الاشتقاقيّة لمّا كانت مشتملة على الذات، كان ذكرها بمنزلة ذكر الموصوف كي يرد عليه الإشكال الذي أورده المحقّق النائيني، بل المراد أنّ العرف إذا رأى أنّ الموصوف قد حذف من الكلام بقرينة لفظيّة أو معنويّة، عدّه بمنزلة المذكور وجعله موضوعاً للحكم.

وهذا إنّما يختصّ بالوصف ولا يجري في اللقب؛ فإنّ العرف عند سماعه اسماً كـ «زيد» لا يتبادر في ذهنه عنوان «رجل يدعى زيداً»، بل يحضر في ذهنه نفس الشخص المسمّى بهذا الاسم بجميع خصوصيّاته وهويّته الشخصيّة، بخلاف ما إذا سمع أوصافاً كـ «العادل» أو «العالم»، فإنّ المتبادر إلى الذهن عندئذٍ هو إنسان متّصف بالعدالة أو العلم، لا ذات معيّنة مشخّصة.

نعم، إذا صار الوصف علماً بالغلبة لشخص معيّن، فإنّ العرف يعامله معاملة اللقب دون الوصف.

وكذلك يتّضح ممّا تقدّم وجه الإشكال على ما ذهب إليه المحقّق النائيني من أنّ دعوى إفادة الوصف للمفهوم إنّما سيقت دفعاً لإشكال لغويّة ذكر الوصف مع عدم إفادته للمفهوم وأنّ هذا الإشكال إنّما يرد ـ بحسب زعمه ـ في الموارد التي ذكر فيها الموصوف دون ما إذا حذف من الكلام؛ وذلك لأنّه إذا كان منشأ دعوى إفادة الوصف للمفهوم هو دفع إشكال لغويّة ذكر الوصف من دون ذلك، فإنّ هذا الإشكال بعينه وارد في الموارد التي لم يذكر فيها الموصوف أيضاً، إذ إنّ المتعيّن في مثل قوله: «أكرم عالماً» أن يكون الإكرام متعلّقاً بموصوف يتّصف بالعلم، وإلّا فإنّ الوصف بما هو لا يصلح أن يكون موضوعاً للحكم ولا يتصوّر ثبوت وجوب الإكرام له ما لم يفترض وجود موصوف قائم به الوصف.

وعليه فكما يُقال: إنّ عدم إفادة الوصف للمفهوم يفضي إلی لغويّة ذكره عند وجود الموصوف، كذلك يُقال به عند حذفه، لأنّ لازم عدم إفادته للمفهوم في مثل «أكرم عالماً» أن لا يكون للوصف أيّ مدخليّة في موضوع الحكم بحيث يمكن استبداله بغيره أو حذفه وذكر الموصوف مكانه فيقال: «أكرم رجلاً»، فيغدو ذكر الوصف لغواً.

المقدّمة الثانية: النسبة بين الوصف والموصوف لا تخرج عن أربع حالات:

1 ـ التساوي، مثل: «أكرم إنساناً ناطقاً»؛ 2 ـ الوصف أخصّ مطلقاً من الموصوف، مثل: «أكرم إنساناً عادلاً»؛ 3 ـ الوصف أعمّ مطلقاً من الموصوف، مثل: «أكرم رجلاً ناطقاً»؛ 4 ـ العموم من وجه، مثل: «أكرم رجلاً عادلاً».

وبما أنّ الوصف في الحالة الأُولى والثالثة لا يقيّد الموصوف ولا يضيّق دائرته، فإنّه لا يدلّ على المفهوم؛ لأنّ انتفاء الوصف في هاتين الحالتين يستلزم انتفاء الموصوف أيضاً ولا يبقى حينئذٍ موضوع للحكم، فلا معنى للقول بانتفاء الحكم عن الموضوع بانتفاء الوصف.

وأمّا الحالة الثانية، فلا خلاف في شمول محلّ النزاع لها، إذ إنّ انتفاء الوصف لا يلازم انتفاء الموصوف فيها، فيبقى الموضوع محفوظاً ويتصوّر نفي الحكم عنه لانتفاء الوصف.

وأمّا القسم الرابع، فعلى مبنى القول بإفادة الوصف للمفهوم، فإنّ الوصف في هذه الحالة أيضاً يدلّ على المفهوم، لأنّ الملاك الذي يُستند إليه في إفادة المفهوم ـ أعني عدم استلزام انتفاء الوصف لانتفاء الموضوع ـ متحقّق فيها أيضاً.

وقد نُسب إلى بعض الشافعيّة القول بدلالة قوله(ص): «في الغنم السائمة زكاة» على نفي الزكاة عند انتفاء الوصف حتّى في صورة اختلاف الموصوف عمّا ذكر في القضيّة، كالإبل المعلوفة.[1]

إلّا أنّ هذه الدعوى قابلة للإشكال، فإنّ تقييد الموضوع بوصف في مقام جعل الحكم لا يقتضي نفي الحكم عن غيره، ولا يسوّغ التعدّي في دلالة المفهوم من الموضوع المذكور في المنطوق إلى موضوع مغاير له.[2] [3]

وقد أجاب المحقّق الخراساني عن هذه الدعوى بجواب آخر سنعرضه في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.

 


logo