« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/10/09

بسم الله الرحمن الرحیم

 المقدمة الاولی/ مفهوم الوصف/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الوصف/ المقدمة الاولی

 

مفهوم الوصف

 

قبل الخوض في بحث مفهوم الوصف، من الضروري التمهيد بمقدّمتين لبيان محلّ النزا

المقدّمة الأُولى: ذهب الميرزا النائيني إلی أنّ محلّ البحث في مفهوم الوصف هو خصوص الوصف المقترن بموصوف مذكور في القضيّة، كما في قولنا: «أكرم رجلاً عادلاً». أمّا الأوصاف التي تذكر مجرّدة عن الموصوف كما في: «أكرم عادلاً»، فلا ريب أنّها لا مفهوم لها وهي خارجة عن محلّ النزاع.

ووجه ذلك أنّ توسيع دائرة البحث لتشمل مطلق الوصف بما فيه ما لا موصوف له، يستلزم دخول الجوامد في محلّ النزاع أيضاً، إذ لا فرق بين الجوامد والأوصاف الفاقدة للموصوف إلّا من جهة كون المبدأ في الجوامد جعليّاً وفي الأوصاف الفاقدة للموصوف غير جعلي، وهذا الفارق لا يوجب اختلافاً من حيث إفادة المفهوم أو عدمها.

بل يمكن القول بأنّ المبدأ إذا كان له دخل في إفادة المفهوم، فإنّه إذا أمكن للمبدأ العرضي أن يكون مناطاً للحكم بحيث ينتفي الحكم بانتفائه، فأولى بذلك أن يكون المبدأ الجوهري مناطاً لارتفاع الحكم، فيكون دلالة الجوامد على المفهوم أولى.

وعليه فإنّ التفصيل بين الوصف الواجد للموصوف والفاقد له بأنّ الأوّل يدلّ على المفهوم دون الثاني، لا يعدّ تفصيلاً في مسألة مفهوم الوصف، بل هو في الحقيقة تقرير لإفادة الوصف للمفهوم.[1]

وبعبارة أُخری: إنّ مراد المحقّق النائيني هو أنّه إذا لم يذكر الموصوف في القضيّة، فلا يمكن اعتبار القضيّة واجدة للمفهوم لمجرّد اشتمال الوصف الاشتقاقي على الذات ومبدأ الاشتقاق؛ وذلك لأنّ انحلال الوصف الاشتقاقي إلى ذات ومبدأ إنّما هو أمر ذهني يقع في أُفق النفس. فلا يصحّ أن يُفترض أنّه عند انتفاء الوصف الاشتقاقي لا يرتفع إلّا المبدأ ويبقى الذات، إذ إنّ انتفاء الوصف في مثل هذا الفرض يؤدّي إلى انتفاء الموضوع برمّته، فلا يبقى موضوع للقضيّة يمكن التمسّك بمفهومها.

ومن هذه الجهة، لا فرق بين الوصف الفاقد للموصوف وبين اللقب الذي لا خلاف في عدم دلالته على المفهوم.

بل إذا أمكن الادّعاء بأنّ القضيّة تفيد المفهوم بانتفاء الذات من خلال انتفاء الوصف في مورد الوصف الفاقد للموصوف الذي يكون مبدؤه خارجيّاً غير مقوّم للذات، فإنّ القول بذلك في الجوامد ـ كالألقاب ـ يكون أولى، لأنّ المبدأ في الجوامد مقوّم للذات، فإذا انتفى اللقب انتفت الذات لا محالة.

فإنّ هذه الدعوی ترجع في حقيقتها إلى القول بأنّه إذا لم يذكر الموصوف في القضيّة، فإنّ انتفاء الوصف يؤدّي إلی انتفاء موضوع القضيّة، فلا يبقی ما يمكن التمسّك بمفهومه.

فهذه القضايا تشبه القضايا الشرطيّة التي لا يكون الشرط فيها إلّا عبارة عن تحقّق موضوع الحكم المبيّن في الجزاء، وحيث إنّ الموضوع يرتفع بانتفاء الشرط، فلا يبقی مجال لدلالتها علی المفهوم.

وقد ورد هذا المعنی في تقريراته الأُخری أيضاً حيث قال فيها: «الالتزام بالمفهوم فيما إذا ذكر الموصوف صريحاً، إنّما هو لخروج الكلام عن اللغويّة، وتقريبه: إنّ الحكم لو لم يختصّ بمورد الوصف وكان ثابتاً له وللفاقد، لما كان لذكر الوصف وجه. وهذا لا يجري في مثل: «أكرم عالماً»، فإنّ ذكر موضوع الحكم لا يحتاج إلى نكتة غير إثبات الحكم له، لا إثباته له وانتفاؤه عن غيره.»[2]

غير أنّه لا يمكن الالتزام بهذه الدعوى ولا فرق بين الوصف المذكور موصوفه وبين غيره من حيث إفادة المفهوم وعدمه، لأنّ المراد من «الوصف» في هذا البحث ليس هو الوصف بالمعنی النحوي حتّى يقال: إنّ في مثل قولنا: «أكرم عادلاً» يكون «عادلاً» مفعولاً به لا وصفاً، فلا يشمله بحث مفهوم الوصف، بل المقصود هو ما يعدّ بحسب العرف وصفاً، وهو أعمّ من الوصف النحوي.

وعليه يمكن القول بأنّ موضوع الحكم في المورد الثاني هو بنظر العرف ذات الموصوف وإن لم يذكر في ظاهر العبارة، لحذفه بقرينة لفظيّة أو معنويّة، إذ لا معنى أساساً للوصف من دون موصوف.

وسنتابع الحديث في هذا الموضوع في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo