46/08/20
بسم الله الرحمن الرحیم
تداخل المسبّبات و عدم إمکان تکرار الجزاء- المفهوم في موارد العموم الاستغراقي والبدلي والمجموعي/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ تداخل المسبّبات و عدم إمکان تکرار الجزاء- المفهوم في موارد العموم الاستغراقي والبدلي والمجموعي
النقطة الأخيرة التي ينبغي الإشارة إليها عند البحث في تداخل المسبّبات هي أنّه كما ذكرنا في المقام السابق ضمن المقدّمة الثالثة من مقدّمات بحث تداخل الأسباب، لا علاقة لإمكان تكرار الجزاء في الخارج بجريان بحث تداخل الأسباب، بل يرتبط ذلك بتداخل المسبّبات، ومن المعلوم أنّه إذا لم يمكن تكرار الجزاء ممكناً فلا معنی للبحث في تداخل المسبّبات.
غير أنّ المسألة التي تطرح في هذه الحالة هي أنّه إذا تعذّر تكرار الجزاء، فهل تتداخل المسبّبات قهراً، أم أنّ سائر التكاليف تسقط بعد امتثال أحدها نظراً إلی انتفاء الموضوع وعدم إمكان الامتثال؟
أقول: ما يمكن بيانه هنا هو أنّه إذا كان تعذّر تكرار الجزاء خارجاً ناشئاً عن أمر عارضي كعدم قدرة المكلّف، فلا دليل على القول بتداخل المسبّبات قهراً، بل القاعدة تقتضي سقوط سائر التكاليف. أمّا إذا كان ناشئاً عن طبيعة المكلّف به نفسه، فلا يبعد أن يكون توجيه الشارع عدّة تكاليف إلى المكلّف مع علمه بعدم إمكان تكرار الجزاء، قرينة عرفيّة على اعتبار تداخل المسبّبات في نظر الشارع.
التنبيه الثالث: المفهوم في موارد العموم الاستغراقي والبدلي والمجموعي
قال الشيخ: إذ كان المأخوذ في المنطوق عامّاً استغراقيّاً ـ مثل: «إن جاءك زيد فأكرم العلماء» ـ فقد ذهب جماعة إلى أنّ مفهومه هو عدم وجوب إكرام كلّ فرد من العلماء عند فقدان الشرط، بينما ذهب آخرون إلى أنّ مفهومه عدم وجوب إكرام جميع العلماء في هذه الحالة. وبناءً على الرأي الأوّل إذا دلّ دليل على وجوب إكرام زيد العالم، فإنّه يتعارض مع مفهوم القضيّة الشرطيّة المذكورة، في حين لا يقع مثل هذا التعارض بناءً على الرأي الثاني.
وقد يكون منشأ الاختلاف بين الرأيين هو النظر في كيفيّة لحاظ العموم في المنطوق، فهل هو آلة للحاظ حال الأفراد على نحو الشمول والاستغراق بحيث لا يتوجّه النفي إلى هذا العموم في هذه الصورة، ويقتصر الاختلاف بين المنطوق والمفهوم على الكيفيّة دون الكمّيّة؟ أم أنّ العموم مأخوذ في المنطوق على نحو الموضوعيّة بحيث يترتّب الاختلاف بين المفهوم والمنطوق في الكيفيّة والكمّيّة معاً، كما هو الحال في النقيض الذي يذكره المناطقة؟
ثمّ قال: إذا ثبت أحد هذين الوجهين بالقرائن، فلا إشكال وإلّا فالظاهر أنّ العرف يرى الوجه الأوّل متعيّناً.
وأمّا ما قيل من أنّ نقيض الموجبة الكلّيّة هو السالبة الجزئيّة، فإنّه لا يتعارض مع هذه الدعوى، لأنّ المراد من هذه القاعدة ليس بيان ظواهر القضايا، بل بيان لوازم القدر المتيقّن من القضيّة، ولا إشكال في أنّ المتيقّن من مفهوم القضيّة الشرطيّة المذكورة هو عدم وجوب إكرام مجموع العلماء، لا عدم وجوب إكرام كلّ واحد منهم علی نحو الاستغراق.
وبعد ذلك، فإنّه قال بعنوان النتيجة المترتّبة على البحث: «من هنا يعلم صحّة ما أفاده بعض الأساطين في قوله(ع): «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء»[1] [2] من أنّ مفهومه أنّه إذا لم يكن قدر كرّ ينجّسه كلّ شيء من النجاسات[3] ، وفساد ما أُورد عليه من أنّ اللازم من القضيّة المذكورة نجاسة الماء الغير الكرّ بشيء من النجاسات وهو مجمل لا يفيد ولا يلزم منه النجاسة بكلّ شيء[4] . ولذلك نقول بأنّ ما دلّ على عدم نجاسة غسالة الاستنجاء يعارض عموم المفهوم مثل ما يدلّ على عدم نجاسته إذا كان عالياً إلى غير ذلك.
ونظير ذلك في صحّة الاستدلال وفساد الاعتراض ما أفاده الشيخ[5] من عموم مفهوم قوله: «كلّ ما يؤكل لحمه يتوضّأ من سؤره»[6] [7] وما اعترضه الشيخ محمّد في حاشية الاستبصار بعدم العموم[8] ، فلاحظهما متأمّلا فإنّه حقيق بذلك.»[9]
نعم، إنّ ما ذكره الشيخ الطوسي بشأن إفادة المفهوم في خصوص الرواية الدالّة على جواز الوضوء من سؤر الحيوان المأكول لحمه، مبنيّ على القول بإفادة الوصف للمفهوم وهو ما سيأتي بيان إشكاله. ولكن مراد الشيخ الأعظم هو أنّ كلّ قضيّة تفيد المفهوم وكان الحكم في منطوقها على نحو العموم الاستغراقي، فإنّ الظاهر منها أنّ الحكم ينتفي في المفهوم عن كلّ فرد من الأفراد لا عن مجموعهم، سواء كانت القضيّة شرطيّة أم وصفيّة وذلك بناءً على القول بإفادة الوصف للمفهوم.
ونوكل التحقيق في هذه المسألة إلى الجلسة القادمة إن شاء الله.