46/08/19
بسم الله الرحمن الرحیم
دفع إشکال السيّد الخميني - الأصل في تداخل المسبّبات/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ دفع إشکال السيّد الخميني - الأصل في تداخل المسبّبات
أوضحنا في الجلسة السابقة إشكال السيّد الخميني على دعوى الشيخ الأعظم في مقام الثبوت.
ولدفع الإشكال عن مقالة الشيخ يمكن أن يقال: إذا قبلنا بأنّ كلّ سبب يوجب إيجاد حيثيّة في المطلوب تغاير الحيثيّة الحاصلة من السبب الآخر وكان ذلك مستلزماً لأن يكون للمطلوبين ثبوتاً مصداق واحد خارجاً ويحدث تداخل المسبّبات، فإنّ ذلك يفضي إلی الخروج عن فرض المسألة وهو وحدة الجزاء عنواناً، إذ لو أوجد كلّ واحد من السببين حيثيّة في المطلوب تغاير الحيثيّة الموجدة من السبب الآخر، لكانت الحيثيّتان دخيلتين في عنوان المطلوب، فيلزم أن يكون هناك مطلوبان تحت عنوانين لا مطلوب واحد تحت عنوان واحد.
وعليه فإنّ تداخل المسبّبات ثبوتاً إنّما يمكن فيما إذا توجّه إلى المكلّف تكليفان تحت عنوانين. فإذا دلّ دليل على تداخل المسبّبات، فهذا لا يستلزم أن نعتبره ناسخاً لسببيّة أحد السببين خلافاً لما أفاده الشيخ الأعظم، بل يلزم منه أن لا يكون هناك عنوان واحد للتكليف وأن يوجب كلّ واحد من السببين توجّه تكليف إلى المكلّف تحت عنوان مغاير للعنوان الآخر.
وأمّا من حيث الإثبات، فقد قال المحقّق النائيني: مادام لا يوجد دليل على تداخل المسبّبات، فإنّ القاعدة تقتضي عدمه، لأنّ الأصل هو عدم سقوط الواجبات المتعدّدة بفعل واحد وإن قصد امتثالها جميعاً بذلك الفعل، ولا يستثنى من ذلك إلّا مورد واحد وهو فيما إذا كانت النسبة بين الواجبين عموماً من وجه.[1]
غير أنّه قد يقال: الأصل في المسبّبات هو التداخل خلافاً لما ذهب إليه المحقّق النائيني.
بيانه: أنّه إذا كان ظاهر القضيّة الشرطيّة دالّاً على عدم تداخل الأسباب وكذا المسبّبات ـ كما إذا قيل: «إن حنثت نذرك فكفّر عن كلّ مرّة» ـ فالكلام حينئذٍ خارج عن محلّ النقاش.
ولكن إذا لم يكن للدليل ظهور في ذلك ـ كما إذا قيل: «إن حنثت نذرك فكفّر» ـ فالمستفاد من عدم تداخل الأسباب هو توجّه وظائف متعدّدة إلى المكلّف نشأ كلّ واحد منها عن سبب، ومعلوم أنّ تعدّد التكليف يستلزم تعدّد المكلّف به، وإلّا لزم طلب الحاصل.
غير أنّه لا دليل على ضرورة كون تعدّد المكلّف به وجوديّاً، بل قد يكون التعدّد حيثيّاً، كما في موارد تعدّد العنوان، مثل وجوب إكرام العالم ووجوب إكرام الهاشمي.
وعليه فيمكن أن يقال: عند دوران الأمر بين أن ينشأ تعدّد المطلوب من التعدّد الوجودي أو من التعدّد الحيثي، فيمكن نفي التعدّد الوجودي تمسّكاً بإطلاق الجزاء ثمّ امتثال التكليفين بفعل واحد مع تعدّد الحيثيّات.
فإن قيل: سبق منكم أنّ الظهور الوضعي للقضيّة الشرطيّة يمنع من انعقاد الإطلاق في الجزاء ولا يمكن إثبات وحدة الجزاء بالأخذ بإطلاقه.
قلت: إنّ ما ذكرناه سابقاً هو امتناع الأخذ بإطلاق الجزاء لإثبات وحدته، وما ندّعيه هاهنا هو الأخذ بإطلاق الجزاء لنفي تعدّده وجوداً، وهما غير متنافيين، لأنّ الظهور الوضعي للقضيّة الشرطيّة غايته أن ينفي الإطلاق الأوّل، ولكن لا بيان له على خلاف الإطلاق الثاني.
وأمّا التساؤل عن الحيثيّة التي سبّبت الاثنينيّة بين المطلوبين فجوابه أنّ هذه الحيثيّة ناشئة عن سببيّة كلّ من السببين لمطلوبيّة المطلوب.
إذن، يمكن الادّعاء بأنّ غاية ما يستفاد من القضيّتين الشرطيّتين هو تعلّق تكليفين بمطلوبين ويقتضي إطلاق الجزاء وحدتهما وجوداً واختلافهما في الحيثيّات ممّا ينتج عنه إمكان امتثال كلا التكليفين بفعل واحد من جهتين.
ولكن يمكن الإجابة عن هذه الدعوى بأنّه أوّلاً: لو سلّمنا بها فإنّما تصحّ فيما إذا كان السببان من جنسين حتّى يمكن ادّعاء أنّ اختلاف جنسهما سبّب اختلاف الحيثيّة في مطلوبيّة المطلوب، وأمّا إذا كان السببان من جنس واحد، فلا معنى لاختلاف الحيثيّات حينئذٍ.
وثانياً: إنّ الإطلاق النافي لتعدّد المطلوب وجوداً يتعارض مع الإطلاق النافي لتعدّده حيثيّاً، فلا يمكن التمسّك بأيّ منهما.
إن قلت: ليس هناك تنافٍ بين الإطلاقين، لأنّ تعدّد المطلوب وجوداً يستلزم تعدّده حيثيّاً أيضاً من جهة الوجود، فتعدّد المطلوب حيثيّاً هو القدر المتيقّن ويشكّ في تعدّده وجوداً، فيمكن نفيه أخذاً بالإطلاق.
قلت: إنّ التعدّد الوجودي ليس قدراً متيقّناً للتعدّد الحيثي وإنّما هو أحد الحيثيّات الواقع في عرض سائرها، وعليه فلا يمكن رفع التعارض بين الإطلاقين المذكورين.
وثالثاً: إذا كانت الحيثيّة التي سبّبت التغاير بين المطلوبين ناشئة عن سببيّة كلّ من السببين، فهذا يستلزم اختلاف العنوان في التكليفين ـ كما في غسل الجنابة وغسل مسّ الميّت ـ ممّا يلزم منه الخروج عن فرض المسألة، لأنّ النقاش إنّما هو فيما إذا كان هناك عنوان واحد في الجزاء له سببان، وأمّا إذا علمنا بتعدّد العنوانين فإنّ تداخل المسبّبات مطابق للقاعدة حينئذٍ خلافاً لما ذكره المحقّق النائيني من استثناء هذا المورد من قاعدة عدم تداخل المسبّبات، لأنّه في صورة تعدّد العنوانين، بما أنّ التعدّد الحيثي بين المطلوبين مسلّم، فلا وجه لتعدّدهما الوجودي لإيجاد الاثنينيّة بين المكلّف بهما.