« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سید علي الموسوي اردبیلي

46/08/18

بسم الله الرحمن الرحیم

تداخل المسبّبات/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ تداخل المسبّبات

 

المقام الثاني: تداخل المسبّبات

قال الشيخ في توجيه أصالة عدم تداخل المسبّبات في صورة عدم تداخل الأسباب: «إنّ متعلّق التكاليف حينئذٍ هو الفرد المغاير للفرد الواجب بالسبب الأوّل، ولا يعقل تداخل فردين من ماهيّة واحدة، بل ولا يعقل ورود دليل على التداخل أيضاً على ذلك التقدير إلا أن يكون ناسخاً لحكم السببيّة.

وأمّا تداخل الأغسال فبواسطة تداخل ماهيّاتها كما كشف عنه رواية الحقوق، مثل تداخل الإكرام والضيافة فيما إذا قيل: «إذا جاء زيد فأكرم عالماً وإن سلّم عليك فأضف هاشميّاً» فعند وجود السببين يمكن الاكتفاء بإكرام العالم الهاشمي على وجه الضيافة فيما لو قصد امتثال الأمرين في التعبّديّات، وأين ذلك من تداخل الفردين؟

لا يقال: إنّ تعدّد الأسباب يحتمل أن يكون كاشفاً عن تعدّد ماهيّات المسبّبات أيضاً، فيصحّ دعوى الاكتفاء.

لأنّا نقول: ظهور لفظ المسبّب في ماهيّة واحدة ممّا لا يقبل الإنكار. ولو سلّمنا فلا يجدي، لعدم العلم بالتصادق، لإمكان المباينة، فالقاعدة قاضية بالتعدّد.»[1]

فهو بهذا البيان اعتبر في البداية أنّ تداخل المسبّبات ممتنع ثبوتاً، وإن كان قد تنازل عن هذه الدعوى أخيراً وارتأی أنّ عدم تداخل المسبّبات ناشئ عن إشكال إثباتي وعدم وجود قرينة عليه.

غير أنّ السيّد الخميني أشكل على مقالته في خصوص امتناع تداخل المسبّبات ثبوتاً حيث قال: الفرد المغاير للفرد الواجب بواسطة السبب الأوّل، إذا أُريد به الفرد الخارجي، فلا إشكال في عدم معقوليّة تداخل الفردين، ولكن يشكل ذلك بأنّه لا يمكن تعلّق الحكم بالفرد الخارجي.

وإذا أُريد بالفرد العنوان الذي يقبل الانطباق على الخارج وكانت تسميته بالفرد بسبب دخوله تحت عنوان عامّ، فالجواب أنّه من غير المسلّم امتناع تداخل عنوانين من ماهيّة واحدة، بل القيود الواردة على ماهيّة واحدة مختلفة توجب بعضها تباين المقيّدين أحياناً ـ كالإنسان الأبيض والأسود ـ كما قد لا تكون كذلك أحياناً أُخری، في مثل الإنسان الأبيض والعالم حيث تکون النسبة بينهما عموم من وجه وقد يکون لهما مصداق خارجي واحد.[2]

وبعبارة أُخرى: يمكن بيان الإشكال المذكور بأنّ تماميّة كلام الشيخ، تعتمد على تعلّق الأحكام بالأفراد الخارجيّة حيث يمتنع في هذه الصورة تداخل فردين خارجيّين، والحال أنّ بطلان هذا المبنى واضح ولا يعقل تعلّق الحكم بالفرد الخارجي، بل المراد من أنّ تعدّد الأسباب يستلزم تغاير متعلّق الطلبات المسبّبة عن تلك الأسباب، هو أنّ الطلب المسبّب عن السبب الأوّل قد تعلّق بالطبيعة التي تتحقّق ضمن فرد واحد، والطلب المسبّب عن السبب الثاني، قد تعلّق بالطبيعة المتحقّقة ضمن فرد آخر، ومعلوم أنّ الفردين المذكورين كما يمكن تغايرهما وجوداً، فلا مانع عقلاً من أن يختلفا في الحيثيّات فقط كما هو حال تصادق الماهيّات المتعدّدة في فرد خارجي واحد.

فكما يمكن أن يكون فرد واحد مصداقاً للعالم من جهة ومصداقاً للهاشمي من جهة أُخرى وأن يمتثل بإكرامه بسبب استضافته كلا الأمرين الموجودين في المثال الذي ذكره، فكذلك بتعدّد الأسباب يمكن للطبيعة التي تعلّق بها الطلب أن تتحقّق ضمن فرد واحد بحيث تكون من جهة مصداقاً للمطلوب المسبّب طلبُه من السبب الأوّل ومن جهة أُخرى مصداقاً للمطلوب المسبّب طلبُه من السبب الثاني، وهذا خلافاً لكلام الشيخ لا مانع منه عقلاً ولا يلزم من ورود الدليل على تداخل المسبّبات نسخُ حكم سببيّة السبب.

ولكن يمكن نقد هذه المطالب دفاعاً عن دعوى الشيخ، ممّا سنتطرّق إليه في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo