46/08/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشكال علی مدعی السيّد الخميني/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الإشكال علی مدعی السيّد الخميني
تقدّم أنّ إشكالنا على دعوى السيّد الخميني إشكال مبنائي وأنّ استقلال الشرط لتحقّق الجزاء مبنيّ على الوضع لا علی تماميّة مقدّمات الحكمة.
ولكن إذا تنازلنا عن هذه الدعوى واعتبرنا الظهور المذكور مبنيّاً على إطلاق الشرط، فيمكن القول في الجواب عن دعواه: إنّ الأخذ بإطلاق الجزاء إنّما يتمّ فيما إذا لم نعتبر الشرط المذكور في القضيّة بياناً له، والحال أنّ المذكور في القضيّة الشرطيّة بعنوان الشرط منضمّاً إلى تعدّد القضايا الشرطيّة واختلاف الشروط المذكورة فيها، يمكن أن يكون بياناً على أنّ المطلوب في الجزاء ليس صرف ماهيّة شيء كالوضوء مثلاً، بل هو حصّة خاصّة منه يكون الشرط المذكور في القضيّة دخيلاً في خصوصيّتها، ولا أقلّ من احتمال ذلك، ومع وجود ما يحتمل القرينيّة فإنّ مقدّمات الحكمة لا تتمّ ولا يمكن الأخذ بإطلاق الجزاء.
وينبغي التدقيق في أنّ الذي قلناه لم يكن من باب تقديم إطلاق صدر القضيّة على إطلاق ذيلها حتّى يجاب عليه بجواب السيّد الخميني لهذه الدعوى، بل من باب قرينيّة أصل ذكر الشرط في القضيّة الشرطيّة لما وقع مطلوباً في جزاء القضيّة ذاتها.
فإن قيل: بناءً على ذلك، لا يمكن التمسّك بإطلاق الجزاء في أيّ قضيّة شرطيّة، لأنّ ذكر الشرط فيها يمكن أن يكون قرينة على أنّ مطلوبيّة العنوان المذكور في الجزاء هي من حيث حدوث الشرط المذكور في القضيّة الشرطيّة.
فالجواب: أنّه لا يمكن إنكار مدخليّة حيثيّة حدوث الشرط في مطلوبيّة العنوان المذكور في الجزاء في أيّ قضيّة، وإلّا لم يكن وجه لذكر الشرط، وإنّ الأخذ بإطلاق الجزاء في القضيّة الشرطيّة لا يعني نفي حيثيّة مدخليّة الشرط في مطلوبيّة العنوان المذكور في الجزاء وإنّما ينفي خصوصيّة المطلوب.
وعليه فالمدّعى في المقام ليس مدخليّة الشرط في مطلوبيّة العنوان المأخوذ في الجزاء، بل مدخليّته في تحصيص المطلوب الذي ذكر في القضيّة الشرطيّة.
فإن قلت: إنّ هذا البيان أيضاً لا يرفع الإشكال، لأنّ تماميّته تستلزم عدم إمكان التمسّك بإطلاق المطلوب المذكور في الجزاء في كلّ القضايا الشرطيّة.
قلت: إنّ الذي يؤدّي إلى عدم إمكان التمسّك بإطلاق الجزاء فيما نحن فيه، ليس مجرّد ذكر الشرط في القضيّة الشرطيّة حتّى يقال: إنّ هذا موجود في سائر القضايا الشرطيّة أيضاً، بل تعدّد الشروط المذكورة في قضايا متعدّدة لجزاء واحد يسبّب وجود هذا الاحتمال في ذكر الشرط، إذ مع وحدة الشرط لا وجه لاحتمال كون الشرط دخيلاً في تحصيص المطلوب المذكور في الجزاء.
وأمّا الإشكال الأخير الذي يمكن إيراده على دعوى السيّد الخميني فهو أنّه بناءً علی ما قلناه في وجه الفرق بين الأمر التأكيدي والتأسيسي، فإنّ حمل الأمر على التأسيس يكون بواسطة الأخذ بإطلاق هيئته. وعليه فلا وجه لرفع اليد عن إطلاق هيئة الأمر حفاظاً على إطلاق الشرط والجزاء، إذ لا أولويّة بين الإطلاقات حتّى يمكن حفظ أحدها برفع اليد عن آخر.
ثمّ إنّ المحقّق الإصفهاني اعتبر وجه عدم تداخل الأسباب عرفيّاً وقال: «الوجه في القول بعدم التداخل أنّ العرف إذا أُلقي إليه القضيّتان، فكأنّه يرى مقام الإثبات مقترناً بمقام الثبوت ويحكم بمقتضى تعدّد السبب بتعدّد متعلّق الجزاء، من غير التفات إلى أنّ مقتضى إطلاق المتعلّق خلافه، وهذا المقدار من الظهور العرفي كافٍ في المقام.»[1]
فظاهر كلامه أنّه يقول بأنّ العرف في هذه الموارد غير ملتفت إلى أنّ إطلاق المتعلّق يقتضي وحدة المطلوب، لا أنّه يرفع يده عن هذا الإطلاق بسبب ظهور الشرط في السببيّة المستقلّة. غير أنّ هذه الدعوى ترجع إلى انصراف إطلاق متعلّق الحكم إلى مورد عدم تعدّد الشرط، وهو ما لا وجه له.
وأمّا السيّد الخميني فبعد عدّ الإشكالات المذكورة آنفاً، قال في مقام الاستدلال على عدم تداخل الأسباب: «بعد اللتيّا والتي، لا شبهة في أنّ فهم العرف مساعد على عدم التداخل، وأنّ الشرطيّات المتعدّدة مقتضية للجزاء متعدّداً.
وهل هذا من جهة ارتكاز مقايسة التشريع بالتكوين وإن أبطلناها؟ لكن إذا كان هذا الارتكاز منشئاً للظهور العرفي وتحكيم ظهور على آخر، فلابدّ من اتّباعه.
أو من جهة ارتكاز تناسب الشرط مع متعلّق الأمر في الجزاء، لحكم العرف بأنّ لوقوع الفأرة مثلاً في البئر تناسباً مع نزح سبع دلاء، ولوقوع الوزغة تناًسبا معه، وأنّ الأمر إنّما تعلّق به لأجل التناسب بينهما، وإلا كان جزافاً، فيرى بعد ذلك أنّ لوقوع كلّ منهما اقتضاء خاصّاً بها وارتباطاً مستقلاً لا يكون في الأُخرى، وهو يوجب تعدّد وجوب نزح المقدّر أو استحبابه، وهذا يوجب تحكيم ظهور الشرطيّة على إطلاق الجزاء؟»[2]
وسنذكر ما يرد على كلامه من النقد في الجلسة القادمة إن شاء الله.