46/08/09
بسم الله الرحمن الرحیم
إشكال السيّد الخميني على ادلة عدم تداخل الأسباب/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ إشكال السيّد الخميني على ادلة عدم تداخل الأسباب
إنّ الإشكال الذي طرحه السيّد الخميني والذي تمّ تفصيله في الجلسة السابقة، قد سبق أن ورد في كلمات المحقّق الهمداني حيث قال في مقام بيان الإشكال ودفعه: «قد يتوهّم أنّ ظاهر القضيّة الشرطيّة وإن كان ما ذكرناه، إلا أنّ إطلاق الجزاء ينفيه، لأنّ مقتضاه كفاية ما يصدق عليه الطبيعة، فتقييدها بغير الفرد المأتيّ به امتثالاً للأمر الأوّل يحتاج إلى دليل، وتحكيم إطلاق الشرط عليه تحكّم.
ويدفعه: أنّ التقييد إنّما نشأ من حكم العقل بعد استفادة السببيّة من الدليل، فإطلاق السبب منضمّاً إلى حكم العقل بأنّ تعدّد المؤثّر يستلزم تعدّد الأثر بيان للجزاء، ومعه لا مجال للتمسّك بإطلاقه، وليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الآخر حتّى يطالب بالدليل، بل لأنّ وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقّف على إطلاق سببيّته، ومعه يمتنع إطلاق الجزاء بحكم العقل، فوجوبه ملزوم لعدم إطلاقه.»[1]
غير أنّ السيّد الخميني قال في ردّ دعواه: عندما سلّم بأنّ وجوب الجزاء بحدوث السبب الثاني مبنيّ على إطلاق الشرط وليس مستفاداً من الوضع، فما معنى أن يقال بتقديم أحد الإطلاقين على الآخر؟ لأنّ التخلّص من إشكال امتناع تعدّد المؤثّر مع وحدة الأثر كما يمكن بما ادّعاه، فكذلك يمكن برفع اليد عن إطلاق الشرط في زمان اجتماعه مع شرط آخر أيضاً.[2]
والحقّ تماميّة هذا الإشکال.
وقال المحقّق العراقي في توجيه عدم حمل الأمر الناشئ عن حدوث السبب الثاني على التأكيد: «تأكّد الوجوب في ظرف تكرّر الشرط، يوجب عدم استقلال الشرط في التأثير، لبداهة استناد الوجوب الواحد المتأكّد إليهما لا إلى كلّ واحد منهما.»[3]
ولكن أجاب السيّد الخميني عنه بأنّ البعث الإلزامي الناشئ عن الإرادة الإلزاميّة متعدّد حتّی لو کان أحد الوجوبين تأکيديّاً، وتعدّد البعثين لا يتوقّف على تأسيسيّة كلا الوجوبين، لأنّ إطلاق عنوان الأمر التأكيدي إنّما يكون فيما إذا وجد بعثان يکون كلّ واحد منهما معلولاً لأحد الشرطين، لا أن يكون للشرطين معاً تأثير في وجوب واحد مؤكّد، والتأكيد في الفرض منتزع من تكرار البعثين، والوجوب التأكيدي أيضاً أمر منتزع منه دون أن يكون معلولاً للشرطين.[4]
وبعبارة أُخرى: الأمر التأكيدي لا يختلف عن الأمر التأسيسي من حيث إيجابه للبعث، ولذلك إذا أمر المولى العبد أوّلاً ولم يلتفت العبد لأمره ثمّ أمره المولى بإتيان نفس المطلوب الأوّل تأكيداً دون أن يلتفت إلی عدم التفات العبد لأمره الأوّل، فإنّ الأمر الثاني يسبّب بعث العبد وإن كان تأكيديّاً، ولا يمکن أن يقال: بما أنّ الوجوب الواحد المؤكّد مستند إلى أمرين وأحدهما لم يصل إلى العبد، فلا يتوجّه إليه وجوب.
نعم، يختلف الأمر التأسيسي عن التأكيدي في أنّ البعث الناشئ من الأوّل مطلق غير مشروط بشيء، بينما يکون البعث الناشي عن الأمر الثاني مشروطاً بعدم انبعاث المأمور بأمر آخر، وهذا هو الذي يسبّب انتزاع عنوان التأكيد منه ويتّصف بوصف «التأكيديّة».
وعليه ينبغي أن نقول في الإشكال على كلام السيّد الخميني: إنّ ظهور القضيّة الشرطيّة في حدوث الجزاء بحدوث الشرط، مبنيّ على الوضع دون تماميّة مقدّمات الحكمة كما تمّ تفصيله سابقاً.
ولكن مع غضّ النظر عن الإشكال المبنائي أيضاً يمكن الردّ على الإشكال بما سنذكره في الجلسة القادمة إن شاء الله.