46/07/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الإشکال على كلام المحقق الهمداني – تداخل الأسباب في تکليف الغيري/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الإشکال على كلام المحقق الهمداني – تداخل الأسباب في تکليف الغيري
ذهب المحقّق الهمداني إلى عدم التداخل في الأسباب بناءً علی معرّفيّتها أيضاً وقال: «إنّ ظاهر القضيّة الشرطيّة كون كلّ سبب معرّفاً فعليّاً، ولا ريب أنّ المعرّف الفعلي سبب لحصول التعريف ووجود المعرِّف في الذهن، فتعدّده يستلزم تعدّد المعرَّف، فيجب أن يكون السبب المستكشف بالمعرِّف الثاني مغايراً لما استكشف بالمعرِّف الأوّل، وإلّا للزم تحصيل الحاصل وهو باطل.»[1]
غير أنّ كلامه مشكل بأنّ المعرَّف إذا كان أمراً بسيطاً فلا وجه للدعوى المذكورة، ولكن بما أنّ للمعرَّفات الشرعيّة وجوه عديدة، فلا مانع من أن يكشف كلّ معرِّف عن جهة منه، مثل أن تكشف البيّة وكذا اليد عن الملكيّة ويرد في دليلين: «إذا قامت البيّنة علی ملكيّة البائع للمبيع، فاشتر ذلك منه» و «إذا كان المبيع في يد البائع، فاشتره منه».
فتبيّن إذن أنّه لا وجه لاعتبار الأسباب الشرعيّة معرّفات ونفي مؤثّريّتها.
نعم، يمكن البحث في أنّ الشارع هل جعل السببيّة لأُمور تعرف بعنوان الأسباب الشرعيّة، أم أنّه جعل المسبّب في ظرف تحقّقها؟ مثلاً هل جعل الشارع لنواقض الوضوء سببيّةً لنقض الوضوء أم أنّه جعل بطلان الوضوء في صورة تحقّقها؟
والحقّ أنّ ما يُطرح تحت عنوان الأسباب الشرعيّة فإنّه في الواقع أُمور مأخوذة في موضوع المجعولات الشرعيّة وانتزعت منها السببيّة عرفاً، غير أنّ هذا لا ينافي تأثيرها في المجعول الشرعي، لأنّ الذي يؤخذ في موضوع شيء يكون دخيلاً في تحقّقه.
وعليه فالمراد من تداخل الأسباب وعدمه في الحقيقة هو أنّه إذا أُخذ أمران في دليلين مستقلّين في موضوع حكم، فهل يقتضي الأصل أن يتوجّه إلى المكلّف تكليف واحد يمكن توجّهه إليه بتحقّق الشيء الأوّل كما بتحقّق الشيء الثاني، أم أنّ ذلك يقتضي أن يوجه تحقّق كلّ من الشيئين تكليفاً إلى المكلّف مختلفاً عن التكليف الذي يتوجّه إليه بتحقّق الشيء الآخر؟ كما أنّه إذا تحقّق في الخارج فردان من أفراد الشيء المأخوذ في موضوع دليل ما، فهل يسبّب ذلك توجّه تكليفين إلى المكلّف أم لا يتوجّه إليه غير تكليف واحد؟
المقدّمة الخامسة: هل يجري البحث عن تداخل الأسباب في الموارد التي يكون التكليف الناشئ عنها غيريّاً؟ فمثلاً إذا ورد في وضوء «إذا بلت فتوضّأ» وفي دليل آخر: «إذا نمت فتوضّأ»، فهل يجري البحث هاهنا أيضاً عن تداخل الأسباب كما لو قيل: «إذا شُفيت من المرض فتصدّق» و«إذا نجحت في الامتحان فتصدّق»؟
ظاهر كلمات الأصحاب أنّهم لم يفرّقوا بين ما إذا كان التكليف نفسيّاً أو غيريّاً، ولذلك فإنّ ما مثّلوا به غالباً لموارد البحث هو الوضوء.
ولكن يشكل ذلك بأنّه إذا وقع تكليف غيري واحد جزاءً في عدّة قضايا شرطيّة، فبما أنّه ليس تكليفاً نفسيّاً بل مقدّمة لإتيان واجب نفسي واحد أو أكثر، ولا فرق في مقدّميّته بين وقوعه مقدّمة لواجب نفسي واحد أو لعدّة واجبات نفسيّة ـ بمعنى أنّ الشيء إذا كان مقدّمة لعدّة واجبات نفسيّة فلا يلزم التعدّد فيه، بل مادام يصدق أنّ المقدّمة موجودة فلا تكليف بإتيانها ثانياً، لأنّ الأمر بالمقدّمة من باب إيجاد أرضيّة لإتيان ذيها، ومع توفّرها لا يمكن وجود أمر آخر بإتيان المقدّمة، لأنّه يستلزم تحصيل الحاصل ـ وعليه فلا وجه للقول بتوجّه تكاليف عديدة إلى المكلّف وإن قلنا بالوجوب الشرعي للمقدّمة.
وعليه فعندما يؤتى بمقدّمة تترتّب عليها العديد من ذوات المقدّمات، فمادامت المقدّمة باقية، أمكن إتيان جميع ذوات المقدّمات ولا وجه لتوجيه تكليف جديد بإتيان المقدّمة إلى المكلّف، لوضوح أنّ التكليف بالمقدّمة تكليف غيري وليس إلّا لكي يصبح إتيان ذي المقدّمة مقدوراً، وفي فرض مقدوريّة إتيان ذي المقدّمة، لا وجه لتعلّق تكليف آخر بالمقدّمة.
فمثلاً إذا قال المولى للعبد: «إذا تلقّيتُ رسالة، أحضر لي نظّارتي» وقال أيضاً: «إذا حصلتُ علی كتاب، أحضر لي نظّارتي» فلا وجه لتوجّه تكليفين إلى العبد بإحضار النضّارة بحصول الرسالة والكتاب معاً، بل لا يتوجّه إليه غير تكليف واحد في هذه الحالة.
فينبغي أن نقول: بما أنّه لا وجه للبحث عن تداخل الأسباب مع العلم بوحدة التكليف كما تقدّم في بداية البحث، فإذا كان الجزاء واجباً غيريّاً، فحيث لا معنی لتوجّه أكثر من تكليف واحد إلی المكلّف به، فإنّه خارج عن محلّ البحث.
نعم، يمكن أن تشكل هذه الدعوی بالغسل والذي سنتعرّض إلی دفعه في الجلسة القادمة إن شاء الله.