46/07/11
بسم الله الرحمن الرحیم
تداخل الأسباب/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ تداخل الأسباب
المقام الأوّل: تداخل الأسباب
قبل أن نبحث تداخل الأسباب يلزم أوّلاً أن نبحث أُموراً تمهيديّة:
المقدّمة الأُولى: قال الشيخ والمحقّق الخراساني: إن قلنا في المسألة السابقة بالحلّ الرابع، فلا إشكال في عدم تداخل الأسباب[1] [2] ، والحال أنّ هذه الدعوى غير صحيحة، إذ تقدّم أنّ البحث في المسألة السابقة كان مبنيّاً على أن نعلم بعدم وجوب أكثر من تكليف واحد على المكلّف وشككنا في كيفيّة مدخليّة شروط متعدّدة في تحقّق جزاء واحد، ولكن بالنسبة إلى تداخل الأسباب فنحن نعلم أنّ كلّ شرط يوجب توجّه تكليف إلى المكلّف استقلالاً ونبحث فيه عن أنّ تحقّق كلّ شرط هل هو يوجب توجّه تكليف علی حده إلى المكلّف أم أنّه لا يجب على المكلّف سوی تكليف واحد مع تحقّق جميع الشروط.
وعليه فهذه المسألة والمسألة السابقة غير مترتّبتين على بعض، بل هما في عرض واحد كما قال الشهيد الصدر[3] .
المقدّمة الثانية: قال السيّد الخوئي: محلّ الكلام في مسأله تعدّد الأسباب هو فيما إذا كان الشرط يقبل التكرار ولا معنى لتعدّد الأسباب مع عدم إمکان ذلك. فمثلاً الوارد في الأدلّة الشرعيّة أنّ الذي يفطر صيامه الواجب بالأكل أو الشرب تجب عليه الكفّارة، ومعلوم أنّ الإفطار بالأكل والشرب لا يتحقّق إلّا مرّة واحدة ولا يصدق الإفطار على المرّة الثانية منهما، وعليه فلا وجه للبحث عن تعدّد الأسباب في هذا الفرض.
وأمّا ما قيل بالنسبة إلى بعض المفطرات كالجماع والاستمناء بأنّ تكرارها يستلزم تكرار الكفّارة فوجهه أنّ هذه الأُمور مأخوذة في موضوع الدليل بعنوانها لا بعنوان المفطر، ولذا أمكن التكرار فيها[4] .
وقد يقال في الإشكال على دعواه: إنّ عدم شمول البحث للموارد التي لا يمكن تكرار الشرط فيها ليس لعدم إمكان تكرار الشرط وإنّما لعدم شمول عنوان البحث لها، إذ قلنا أنّ عنوان البحث إنّما يكون فيما إذا أخذ عنوانان في دليلين مستقلّين كشرط لجزاء واحد عنواناً، لا المورد الذي يذكر في الدليل شرط للجزاء وتتحقّق أفراد عديدة من ذلك الشرط خارجاً، مثل أن يقال: «إذا جاءك زيد فأعطه ديناراً» ثمّ يأتيه زيد عدّة مرّات.
والجواب: أنّه لا فرق بين الموردين من حيث الملاك، لأنّ البحث في المورد الأوّل يدور عن أنّ كلّ شرط هل يعدّ سبباً مستقلّاً لتوجّه أصل التكليف إلى المكلّف أم لا؟ وفي الثاني يبحث عن أنّ كلّ فرد من أفراد الشرط الواحد المتحقّق في الخارج هل يعدّ سبباً مستقلّاً لفعليّة تكليف واحد للمكلّف أم لا؟ ولذلك قال ابن إدريس بالتفصيل في تداخل الأسباب بين أن تكون الأسباب من جنس واحد أو أجناس متعدّدة[5] ممّا يلزم منه أن نعتبر موارد كون الأسباب من جنس واحد أيضاً داخلة في بحث تداخل الأسباب.
غير أنّ الذي مثّل به السيّد الخوئي على عدم إمكان تكرار الأسباب فغير صحيح، لأنّ تداخل الأسباب لا يتطلّب أخذ صيام يوم واحد فقط بعين الاعتبار کي يقال بأنّه لا يمكن الإفطار في صيام يوم واحد إلّا مرّة واحدة، وإنّما يمكن افتراض تحقّق الإفطار العمدي في صيام عدّة أيّام ثمّ نبحث عن أنّه هل يعدّ إفطار كلّ يوم سبباً مستقلّاً لوجوب الكفّارة أم لا؟
نعم يمكن التمثيل له بأنّه إذا ورد في دليل: «إذا مات المسلم المديون فعلی وصيّه أن يدفع ديونه من تركته»، فبما أنّ تحقّق الموت في الخارج لا يمكن إلّا مرّة واحدة، فلا يشمل بحث تداخل الأسباب هذه المسألة.
وقد يشكل أيضاً على ما ذكره السيّد الخوئي توجيهاً لتعدّد الكفّارة في الجماع أو الاستمناء بأنّ من المعلوم أنّ المأخوذ في موضوع الكفّارة في هذين الموردين ليس الجماع في شهر رمضان أو الاستمناء فيه بما هو هو، وإلّا كان ينبغي الالتزام بوجوب الكفّارة على من جامع أو استمنى في رمضان حال عدم وجوب الصوم عليه أيضاً ـ کالمسافر والمريض ـ وهو ممّا لا يمكن الالتزام به، وعليه فالمأخوذ في دليل الكفّارة في الموردين هو الجماع أو الاستمناء المؤدّي إلى فساد الصوم، ولا فرق من هذه الجهة بينهما وبين سائر المفطرات، وإذا قلنا في هذين الموردين بتعدّد الكفّارة بتعدّد العمل فإنّما هو بسبب ورود أدلّة تدلّ على تعدّد الكفّارة فيهما.
ويدفع بأنّه وإن صحّ أنّ المأخوذ في موضوع الكفّارة في الموردين ليس الجماع في شهر رمضان أو الاستمناء فيه بما هو هو، ولكن لا يلزم منه أخذ الجماع والاستمناء بما أنّهما مفطران في دليل الكفّارة، بل يمکن أخذهما في ذلك الدليل بما أنّ صيام ذلك اليوم کان واجباً علی مرتكبهما فعلاً، وهذا الموضوع موجود حتّى في المرتبة الثانية وما بعدها من ارتكابهما، ولذلك ذهب الكثير من الفقهاء إلى وجوب الكفّارة للجماع أو الاحتياط فيها بالنسبة إلى من أفطر بعمل غير الجماع ثمّ جامع[6] .
وعلى أيّة حال فإنّ تحقيق المسألة موکول إلی كتاب الصوم.