« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/29

بسم الله الرحمن الرحیم

 الإشکالات علی إستدلال الشهيد الصدر - تعدد الشرط واتّحاد الجزاء/ تنبيهات مفهوم الشرط/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ تنبيهات مفهوم الشرط/ الإشکالات علی إستدلال الشهيد الصدر - تعدد الشرط واتّحاد الجزاء

 

يرد على دعوى الشهيد الصدر التي مرّ تفصيلها أوّلاً: أنّ الذي تدلّ عليه الجملة الشرطيّة وضعاً هو وجود علاقة من سنخ العلاقة العلّية بين الشرط والجزاء ـ كما تقدّم تفصيله سابقاً ـ لا أنّها تثبت مجرّد التصاقهما ولو صدفةً واتّفاقاً، وهذا لا ينافي عدم وجود هذه العلاقة بينهما في الخارج.

وثانياً: قلنا سابقاً بأنّه لا محصّل لدلالة الجملة الشرطيّة على تعليق سنخ الحكم وطبيّعيّه على الشرط، ولا يعتبر ذلك لاستفادة المفهوم منها.

وثالثاً: إنّ الإطلاق الأحوالي المستلزم لاستفادة المفهوم من الجملة الشرطيّة ليس الإطلاق الأحوالي لموضوع الحكم المذكور في الجزاء، وإنّما الإطلاق الأحوالي لشرطيّة الشرط للجزاء.

ورابعاً: من العجيب دعوى أنّ الجمل الشرطيّة الإخباريّة لا مفهوم لها مطلقاً، لأنّنا نرى بالوجدان أنّه لا فرق من حيث إفادة المفهوم بين قضيّتي: «إن جاء زيد فإكرامه واجب» و«إن جاء زيد فأكرمه»، بل مقتضى الإطلاق في الجمل الإخباريّة التي ناظرة إلى إفادة معنىً ثبوتي أنّ تفيد المفهوم کما أسلفناه، وإذا لم يفد مفهوماً حينئذٍ في مورد ما، فلقرينة منعت من الأخذ بالإطلاق في تلك الجملة.

وخامساً: لا يمكن الالتزام بأنّ المعلّق على الشرط في القضايا الشرطيّة هو الإخبار أو الإنشاء الذي يفيده الجزاء، إذ ـ كما تقدّم كراراً ـ لا يُعقل التعليق في الإخبار أو الإنشاء نفسهما، لأنّ أمر الإخبار والإنشاء دائر مدار الوجود والعدم والذي يمكن تعليقه هو مفادهما.

وسادساً: لو سلّمنا بكون المشروط بالشرط هو الإنشاء لا المُنشأ، فإنّ الوجه الذي ذكره لإفادة الجمل الشرطيّة الإنشائيّة للمفهوم، فيه إشکال واضح، لأنّ نتيجة إناطة الإنشاء بالشرط هو انتفاء الإنشاء، وعليه فما يترتّب علی انتفاء الشرط هو انتفاء الحُكم لا الحكم بالانتفاء، وقد سبق أن قلنا: إنّ انتفاء الحكم بانتفاء القيد المذكور في القضيّة أمر عقليّ وجارٍ في جميع الحيثيّات التقييديّة ولا يعني إفادة القضيّة للمفهوم.

هذا؛ وبيّن الشهيد الصدر إفادة المفهوم من خلال القضايا الشرطيّة بنحو آخر في دورة أُخرى من دروسه[1] ممّا يشكل تقريره أيضاً ونترك ذکره احترازاً من إطالة الكلام.

 

المطلب الثالث: تنبيهات مفهوم الشرط

في سياق البحث، نتطرّق إلى دراسة بعض الأُمور المتعلّقة بمفهوم الشرط ضمن عدّة تنبيهات.

 

التنبيه الأوّل: تعدد الشرط واتّحاد الجزاء

يمكن تصوير تعدّد الشرط واتّحاد الجزاء في الجمل الشرطيّة بعدّة أنحاء:

الأوّل: عدّة شروط منضمّة ببعض أصبحت شرطاً للجزاء في قضيّة واحدة؛ مثل أن يقال: «إن جاءك زيد وکان يوم الجمعة وکان الجوّ ممطراً فأکرمه».

فلا إشكال في هذه الصورة بأنّ الجزاء ينتفي بانتفاء كلّ من الشروط المذكورة، لأنّ المأخوذ شرطاً في الواقع هو التركيب الحاصل من هذه الشروط بحيث ينتفي الشرط بانتفاء التركيب بأيّ نحو، وبما أنّ المركّب ينتفي بانتفاء جزئه، فانتفاء كلّ من الشروط المذكورة يسبّب انتفاء ما تعلّق عليه الجزاء، وعليه فيمكن القول بأنّ هذه القضيّة تفيد المفهوم بانتفاء أيّ واحد من الشروط المذكورة فيها.

الثاني: عدّة شروط مقيّدة ببعض مأخوذة شرطاً في قضيّة واحدة؛ مثل أن يقال: «إن جاءك زيد يوم الجمعة في الجوّ الممطر، فأکرمه».

فانتفاء كلّ من الشروط المذكورة في الجملة يسبّب انتفاء ما عُلّق عليه الجزاء أيضاً كالحالة السابقة، إذ على الرغم من أنّ المأخوذ شرطاً في هذا الفرض ليس تركيب الشروط، ولكن بما أنّ كلّاً من الشروط قد أُخذت شرطاً للجزاء مقيّدةً بوجود باقي الشروط، فالقضيّة تفتقد شرطها بانتفاء أيّ من الشروط المذكورة لانتفاء قيد شرطيّة باقي الشروط، فيمكن الأخذ بمفهومها حينئذٍ.

الثالث: عدّة شروط في عرض واحد في القضيّة تکون شرطاً لجزاء واحد في قضيّة واحدة؛ مثل أن يقال: «إن جاءك زيد أو کان يوم الجمعة أو کان الجوّ ممطراً، فأکرمه».

فلا إشكال في أنّ الجزاء في هذه الصورة لا ينتفي بانتفاء أيّ من الشروط بمفردها، لأنّ المأخوذ شرطاً في القضيّة هو القدر الجامع للشروط المذكورة فيها، والجامع يتحقّق بتحقّق أيّ منها، فيترتّب عليه الجزاء. وعليه فإنّ انتفاء الجزاء يتطلّب انتفاء القدر الجامع المذكور، وانتفاؤه إنّما يحصل بانتفاء جميع الشروط المذكورة في القضيّة.

الرابع: عدّة شروط مستقلّة في قضايا مختلفة تکون شرطاً لجزاء واحد؛ مثل أن يقال في القضيّة الأُولى: «إذا خفيت الجدران فقصّر» وفي الثانية: «إذا خفي الأذان فقصّر».

فمنطوق كلّ قضيّة في هذه الصورة يتعارض مع إطلاق مفهوم القضيّة الأُخرى، بمعنى أنّ إطلاق مفهوم القضيّة الأُولى هو أنّ عدم خفاء الجدران يرفع وجوب التقصير وإن خفي الأذان، بينما تنطق القضيّة الثانية بأنّ التقصير واجب في صورة خفاء الأذان. کما يقع التعارض بين إطلاق مفهوم القضيّة الثانية ومنطوق القضيّة الأُولى أيضاً فيما إذا لم يخفَ الأذان واختفت الجدران.

لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ وقوع التعارض مبنيّ على أن لا يتوجّه أكثر من تكليف واحد إلى المكلّف، وإلّا فإذا تسبّب تحقّق أيّ شرط بتوجّه تكليف مستقلّ إليه ـ کما إذا قيل: «إذا خفي الأذان فتصدّق» و«إذا خفيت الجدران فتصدّق» ـ فلا تعارض بين الدليلين حينئذٍ حتّى نبحث عن طريق علاجه.


logo