46/06/09
بسم الله الرحمن الرحیم
جواب إشکال المحقق النائيني – التمسّك بإطلاق جملة الشرط/ مفهوم الشرط/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الشرط/ جواب إشکال المحقق النائيني – التمسّك بإطلاق جملة الشرط
طرحنا في الجلسة السابقة إشكال المحقّق النائيني على علّيّة الشرط للجزاء والذي حاول رفعه، وقلنا: إنّ جوابه على الإشكال غير تامّ.
فما يمكن دفعه به أنّه عندما يقال بوجود العلاقة العلّيّة بين المقدّم والتالي، فليس المراد منه أنّ هناك في الواقع هذه العلاقة بين مقدّم القضيّة وتاليها حتّى يشكل بأنّ الأحكام الشرعيّة ليست فيها مثل هذه العلاقة بين الحكم والموضوع، وإنّما يراد به أنّ المتكلّم يحاول إلقاء وجود علاقة من سنخ العلاقة العلّيّة بينهما، وليس المراد من العلاقة العلّيّة بين شيئين إلّا أنّه يلزم من وجود أحدهما وجود الآخر بالضرورة، ولذلك يقال: إنّ العلاقة بين الموضوع والحكم من سنخ علاقة العلّة بالمعلول وإن لم تكن بينهما علّيّة حقيقيّة.
وبعبارة أُخرى: إنّ المراد من اشتمال القضيّة على المفهوم أو عدمه هو أنّه هل يمكن استفادة معنىً آخر من القضيّة زائداً على المنطوق ممّا يريده المتكلّم أم لا؟ من دون أن يُنظر إلى أنّ هذا المعنى هل يطابق الواقع أم لا. ولذلك يمكن القول باشتمال القضيّة على المفهوم حتّى في ما إذا تكفّلت القضيّة بيان أُمور تكوينيّة في مقام الثبوت وكان مفادها خلاف الواقع؛ فمثلاً عندما يقال: «إذا طلعت الشمس زال النهار» فمن الممكن الادّعاء باشتمال هذه القضيّة على المفهوم وإن كان منطوقها خلاف الواقع.
ولذلك عند دراسة دعوى وجود العلّيّة بين المقدّم والتالي، لا يُنظر إلى العلاقة الحقيقيّة بين الشيئين الواردين فيها بصفة المقدّم والتالي، وإنّما مجرّد إرادة المتكلّم بيان أنّه يلزم من وجود مقدّم القضيّة الشرطيّة وجود تاليها يعني وجود هذه العلاقة بينهما في نظره.
وعليه فيمكن الادّعاء بأنّ هناك بين المقدّم بما هو والتالي بما هو علاقة من سنخ العلاقة العلّيّة وضعاً، ولكن مجرّد ذلك لا يسبّب اشتمال القضيّة على المفهوم، إذ كما تقدّم أنّ مجرّد ترتّب التالي على المقدّم لا يستلزم إفادة القضيّة الشرطيّة للمفهوم ما لم يكن هذا الترتّب على نحو ترتّب المعلول على علّته المنحصرة.
ومن المعلوم أنّ القضيّة الشرطيّة لا تدلّ وضعاً على انحصار علّيّة الشرط للجزاء، إذ غاية ما تدلّ عليه القضيّة وضعاً هو أنّه يلزم من وجود الشرط وجود الجزاء، وأمّا أن يمتنع ترتّب وجود الجزاء على شيء غير الشرط المذكور في القضيّة، فهذا لا يستفاد من القضيّة الشرطيّة وضعاً.
ومن هنا ادّعي أنّ الذي يسبّب اشتمال القضيّة الشرطيّة على المفهوم هو إطلاقها وتمّ تقريب هذا الإطلاق على نحوين.
التقريب الأول: التمسّك بإطلاق جملة الشرط
قال المحقّق الخراساني في بيانه للدعوى الآنفة: قد يقال في الاستدلال على دلالة الجملة الشرطيّة على العليّة الانحصاريّة بالتمسّك بإطلاق جملة الشرط: إذا لم يكن للشرط المذكور في الجملة الشرطيّة علّيّة منحصرة، لزم تقييدها، إذ لو كانت هناك علّة أُخرى مقارنة أو سابقة عليه، لم يمكنها التأثير باستقلال، بينما يقتضي إطلاق جملة الشرط أن تكون للشرط هذه الصفة.
ثمّ أشكل على هذه الدعوى وقال: على الرغم من أنّه لا يمكن إنكار المدّعی في صورة إطلاق جملة الشرط، ولكن لا أقلّ من ندرة وجود هذا الإطلاق في جمل الشرط إن لم نقل بعدم وجوده.[1]
قال المحقّق الإصفهاني في توضيح دعوى المحقّق الخراساني بالنسبة إلى ندرة وجود هذا الإطلاق: القدر المسلّم من القضيّة الشرطيّة أنّها تفيد العلّيّة وتبيّن أنّ شيئاً يصلح للتأثير من دون أن يكون لشيء آخر مدخليّة وجوداً أو عدماً في علّيّته الذاتيّة، وأمّا ترتّب المعلول بالفعل على العلّة فهو أمر آخر حيث قد يدّعى أحياناً أنّ إطلاق جملة الشرط يبيّن ذلك.[2]
ويظهر من هذا الاستدلال ابتناؤه على الخلط في معنى انحصار علّيّة الشرط للجزاء، لأنّ المراد من الانحصار هو المعنى المقابل لوجود البديل وليس المقابل لوجود الشريك، بينما افترضه المحقّقان الخراساني والإصفهاني بمعنى عدم الشريك، ولذلك قالا في تقريب الاستدلال: إنّ إطلاق الشرط في القضيّة الشرطيّة يقتضي أن يتمكّن الشرط لوحده ومن دون مدخليّة شيء آخر من التأثير على تحقّق الجزاء.
سنتابع البحث في الجلسة القادمة إن شاء الله.