« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/06/06

بسم الله الرحمن الرحیم

 التعليق فی المدلول التصديقية للجملة الشرطية- دلالة الجملة الشرطيّة على العليّة المنحصرة/ مفهوم الشرط/المفاهيم

الموضوع: المفاهيم/ مفهوم الشرط/ التعليق فی المدلول التصديقية للجملة الشرطية- دلالة الجملة الشرطيّة على العليّة المنحصرة

 

يظهر بالنظر إلى ما تقدّم في الجلسة السابقة إشكال دعوى الشهيد الصدر في مفاد جملة الجزاء أيضاً، لأنّ جملة الجزاء بما هي هي لا دلالة فيها على التعليق وإنّما المفيد للتعليق هو الجملة الشرطيّة، وعليه فلا تعليق في المدلول التصوّري لجلمة الجزاء والتعليق المستفاد من أداة الشرط هو الذي يسبّب تعليق ما أُنشأ في جملة الجزاء أو أُخبر عنه.

وعليه فإنّ المدلول التصديقي للجملة الشرطيّة يشتمل على التعليق على كلّ حال مثل مدلولها التصوري.

ومن العجيب ما ادّعي بخصوص معقوليّة الإخبار المشروط، إذ كما لا يُعقل التعليق في الإنشاء وأنّ الإنشاء دائر مدار الوجود والعدم، فكذلك حال الإخبار الذي يدور أمره مدار الوجود والعدم، ولا يُعقل أن يكون مشروطاً أو معلّقاً، إذا أنّهما أمران حقيقيّان وليسا اعتباريّين، والأمر الحقيقي ـ كالأكل أو الشرب أو المشي وأمثالها ـ لا معنی لكونه معلّقاً، بل هو إمّا موجود وإمّا غير موجود.

كما لا تصحّ دعوى رجوع التعليق في كلّ من الجعل والمجعول إلى الآخر، فالتعليق ممتنع في الجعل وممكن في المجعول، وقد تقدّم توضيحه في البحث عن الواجب المشروط.

ومن الواضح إشكال ما ادّعي من أنّ جملة الجزاء إذا كانت خبريّة وكان المراد الجدّي من الجملة الشرطيّة هو الإخبار الفعلي عن المخبر به التعليقي ـ مثل الإخبار الفعلي عن مصافحة زيد المعلّقة على مجيئه ـ فإذا لم يكن الشرط متحقّقاً في هذه الصورة ولم يأت زيد مثلاً، كذبت الجملة الشرطيّة، إذ فيما كان المُخبر به معلّقاً وكان الإخبار فعليّاً، فما يُخبر عنه هو المعلّق ويؤخذ المعلّق عليه مفروضاً في الإخبار ولا يُخبر عنه لكي يقال: إنّ الجملة الشرطيّة كاذبة فيما إذا لم يتحقّق خارجاً.

وبعبارة أُخرى: فإنّ المدلول المطابقي للجملة الشرطيّة يكون فيما إذا تحقّق الشرط في الخارج، وبعد تحقّق الشرط يمكن الحُكم بصدقها أو كذبها، ولكن في حال عدم تحقّق الشرط في الخارج، فإنّ الجملة الشرطيّة تفقد مدلولها المطابقي، وحينئذٍ لا يبقى موضوع لصدقها أو كذبها.

 

المطلب الثاني: دلالة الجملة الشرطيّة على العليّة المنحصرة

كما تقدّم في البحث في ضابط المفهوم، فإنّ إفادة المفهوم بواسطة أيّ حيثيّة تقييديّة متوقّفة على أن تكون تلك الحيثيّة علّة منحصرة لترتّب الحكم على متعلّقه، وعليه فاشتمال الجملة الشرطيّة على المفهوم يستلزم أن يثبت بأنّ للمأخوذ شرطاً فيها علّيّةً منحصرة لمفاد جملة الجزاء بحيث يعلّق عليه مفادها.

علماً بأنّ في اصطلاح أهل المنطق حتّی وجود الملازمة بين الشرط والجزاء قد تمّ نفيه، فإنّهم قد قسّموا القضايا الشرطيّة إلى لزوميّة واتّفاقيّة، كما أنّ القضايا الشرطيّة المنفصلة قسّمت عندهم إلى عناديّة واتّفاقيّة[1] ، غير أنّ الذي ذُكر في توضيح الدعوى المذكورة من أنّ الملازمة بين المقدّم والتالي في الجملة الشرطية تكون فيما إذا كان أحدهما علّة للآخر أو كانا معلولين لعلّة واحدة، أو قامت بينهما علاقة التضايف، فهو ظاهر في أنّ المراد من الملازمة في المصطلح المتقدّم هو الترتّب، لأنّ الملازمة أعمّ من هذه الموارد، وقد تكون طبعيّة أو عاديّة، كما لو قيل: «كلّما جاء زيد فالأُستاذ قد شرع في التدريس قبله» فإنّ اصطلاح المناطقة يعتبر هذه الشرطيّة متّصلة اتّفاقيّة، إذ لا تضايف ولا علّيّة بين مقدّم القضيّة وتاليها كما أنّهما ليسا معلولي علّة واحدة أيضاً، ولكن من المعلوم وجود نوع من الملازمة بينهما وهي الملازمة العادية، وإلّا لم يكن وجه لبيان القضيّة الشرطيّة، إذ مع عدم الملازمة يمكن جعل ربط بين أيّ أمرين غير مرتبطين ببعضهما في قضيّة شرطيّة.

وعليه فوجود الملازمة بين الشرط والجزاء ممّا لا يقبل الإنكار.

وقد أشكل كثيرون على وجود ترتيب بين المقدّم والتالي ـ فضلاً عن وجود التعليق بينهما ـ ووجّهوا الإشكال بأنّ القضايا الشرطيّة تستعمل في غير موارد الترتيب والتعليق أيضاً على نحو الحقيقة من دون عناية وتجوّز، ولا فرق بين استعمالها في موارد وجود التعليق أو الترتيب بين الشرط والجزاء وبين ما لا يوجد تعليق وترتيب بينهما، وعليه فلا وجه لدعوى تبادر العلّيّة المنحصرة من الجملة الشرطيّة، ولا يمكن الالتزام بها.

كما أُشكل على دعوى انصراف القضايا الشرطيّة إلى أكمل أفراد العلاقة اللزوميّة ـ أي الملازمة بين العلّة المنحصرة ومعلولها ـ وردّ المحقّق الخراساني عليها أوّلاً: بأنّ مجرّد كون الفرد من أكمل أفراد طبيعته، لا يوجب انصراف اللفظ المطلق إلى ذلك الفرد، خاصّة أنّ استعمال اللفظ في غير ذلك الفرد كثير شائع.

وثانياً: إنّ انحصار العلّيّة لا يؤدّي إلى أن يصبح الربط الخاصّ بين العلّة والمعلول أقوى من حالة عدم الانحصار، فلا يمكن القبول بدعوى الأكمليّة في موارد العلّية المنحصرة.[2]

وإشكالات المحقّق الخراسانيّ على الدعوى واردة، فلا وجه لدعوى الانصراف.


logo