46/05/11
بسم الله الرحمن الرحیم
إشکال الشيخ علی اعتبار دلالة القضيّة على سنخ الحكم لاستفادة المفهوم/المقدمات/المفاهيم
الموضوع: المفاهيم/المقدمات/ إشکال الشيخ علی اعتبار دلالة القضيّة على سنخ الحكم لاستفادة المفهوم
طرح الشيخ ـ بناءً على ما ذكره في اعتبار دلالة القضيّة على سنخ الحكم لاستفادة المفهوم منه ـ إشكالاً وحاول دفعه حيث قال في بيان الإشكال: الشرط الذي ترتّب عليه الحكم في القضايا الشرطيّة، شرط للإنشاء الخاصّ فقط ممّا يتكفّل بيان شخص الحكم، فغاية ما يمكن للشرط أن يفيده هو انتفاء شخص الحكم المذكور في القضيّة ولا يمكن نفي سنخ الحكم بانتفاء الشرط.
ثمّ قال في مقام دفعه: الكلام المشتمل على المفهوم إمّا خبر وإمّا إنشاء. فإن كان خبراً فانتفاء سنخ الحكم بانتفاء الشرط واضح فيه، لأنّ الذي يخبر عن ثبوته في المنطوق ليس شخصاً خاصّاً من الوجوب وإنّما الوجوب الكلّي.
وأمّا إذا كان إنشاءً فإنّ ارتفاع مطلق الحكم بانتفاء الشرط من فوائد العلّيّة والسببيّة المستفادة من الجملة الشرطيّة، لأنّ شخص الطلب ينتفي بانتفاء الشرط مطلقاً ولو مع عدم علّيّة المشروط عليه له، فلا يستند ارتفاعه إلى ما أُخذ علّة وسبباً في الجملة الشرطيّة، ويؤيّده عدم الإشكال في انتفاء شخص الحكم بارتفاع الوصف واللقب أيضاً على الرغم من عدم علّيّتهما للحكم المذكور في القضيّة.
وعليه فإنّ مقتضى العلّيّة والسببيّة أن ينتفي بارتفاع العلّة نوع الوجوب الذي أنشأه الآمر والذي تبدّل إلى حكم شخصيّ بسبب الإنشاء، إذ وقوع الشرط بعنوان شرط إنشاء خاصّ في القضيّة إنّما هو بلحاظ نوع الوجوب الذي تعلّق به الإنشاء وإن لم يكن ذلك مدلولاً لللفظ، فارتفاع نوع الوجوب يكفي فيه ارتفاع شخصه، لأنّ ارتفاع شخصه من حيث كون الشرط علّة للحكم عنوانٌ لارتفاع نوعه.[1]
أقول: إنّ الذي فرّق به بين الإخبار والإنشاء هو من حيث إنّ الحكم المذكور في الإخبار حكم كلّي، ولكن بما أنّ الحكم في الإنشاء مفاد الهيئة وللهيئة معنىً حرفي وهو جزئي ـ لأنّ الموضوع له في وضع الحروف خاصّ ـ فإنّ الحكم المُنشأ يكون جزئيّاً.
وفيه أوّلاً: أنّ وضع الحروف ـ كما تقدّم في مبحث الوضع ـ على نحو الوضع العامّ والموضوع له العامّ، فلا وجه لجزئيّة مفاد الهيئة.
وثانياً: فإنّ الذي يعلّق على الشرط في القضية الشرطيّة، ليس مفاد الهيئة ذا المعنى الحرفي واللحاظ الآلي، وإنّما المعلّق هو المعنى المستفاد من مجموع المادّة والهيئة، وهو حصّة خاصّة من المادّة كما قاله المحقّق النائيني[2] وتقدّم تفصيله في البحث عن مفاد صيغة الأمر.
وثالثاً: بناءً على ما أقامه الشيخ في سبب انتفاء سنخ الحكم في الجمل الإنشائيّة من الاستدلال، فإنّ انتفاء سنخ الحكم في القضايا ذوات المفهوم لا علاقة له بأن تتكفّل القضيّة حكماً كلّيّاً أو جزئيّاً، وإنّما يستفاد من رفع ما يكون علّة للحكم، ومعلوم أنّه لا فرق بين الجمل الإخباريّة والإنشائيّة من هذه الجهة.
ورابعاً: أنّ المراد من انتفاء شخص الحكم ليس دلالة الدليل على عدمه بانتفاء القيد وإنّما عدم دلالته على وجود الحكم أو عدمه؛ فمثلاً يكون المراد من انتفاء شخص الحكم في قضيّة: «أكرم زيداً العادل» بانتفاء الوصف هو أنّ هذه القضيّة بانتفاء وصف العدالة، لا دلالة فيها بالنسبة إلى وجوب إكرام زيد أو عدمه، بينما يكون انتفاء جنس الحكم بمعنى إثبات نقيض الحكم المذكور في المنطوق في صورة انتفاء الحيثية التقييديّة. وعليه فإنّ انتفاء شخص الحكم أمر عدمي خلافاً لانتفاء سنخه الذي يكون وجوديّاً، ومعلوم أنّ الأمر العدمي لا يكون عنواناً لشيء، لأنّ وقوعه عنواناً له يستلزم حيثيّة وجوديّة فيه.
ثمّ إنّ المحقّق الخراساني ـ بناءً على المبنى الذي سبق ذكره عنه من أنّ المستعمل فيه في الإخبار والإنشاء واحد، وأنّ حيثيّة الحكاية عن ثبوت المعنى في موطنها الموجودة في الخبر وكذا حيثيّة إيجاد المعنى وإثباته الموجودة في الإنشاء هما من خصوصيّات الاستعمال ـ قال في جواب الإشكال المتقدّم ذكره من الشيخ: إنّ المعلّق على الشرط في الإخبار والإنشاء هو سنخ الحكم الذي تفيده الصيغة، والخصوصيّة الناشئة عن الاستعمال ليست دخيلة في المعنى المستعمل فيه.[3]
فهو يريد في هذا الجواب أن يثبت أنّ ما وُضعت له الحروف وكذا ما تستعمل فيه، كلّي وليس جزئيّاً.
أقول: إنّ دعواه من كون خصوصيّة المعاني الحرفيّة ناشئة عن الاستعمال وإن سبق نقدها والإشكال عليها، غير أنّ ما ادّعاه من كلّيّة الموضوع له في الحروف فإنّه ممّا يمكن الالتزام به، إلّا أنّه لا يستلزم مفهوماً للقضيّة وإلّا لم يكن فرق بين مختلف القضايا من حيث إفادة المفهوم.
إذن تبيّن في نهاية الكلام أنّ شرط استفادة المفهوم من القضيّة هو أنّ تؤخذ فيها حيثيّات تقييديّة زائدة على ذات الموضوع ممّا يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً. وبعبارة أُخرى: أن تكون تلك الحيثيّات علّة منحصرة لترتّب الحكم على الموضوع.