46/05/04
بسم الله الرحمن الرحیم
المفهوم أمر وجودي - الفرق بين المفهوم وإنتفاء شخص الحکم/ المقدمات /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم / المقدمات / المفهوم أمر وجودي - الفرق بين المفهوم وإنتفاء شخص الحکم
اتّضح بما تقدّم في الجلسة السابقة مراد الشيخ ممّا ذكره بياناً للمراد من المفهوم.
قال في مفهوم الوصف: «إنّ المراد بالمفهوم في المقام هو ما نبّهنا عليه في مفهوم الشرط من أنّ المقصود على القول بالمفهوم ليس رفع الحكم الشخصي الثابت بالكلام، فإنّ ذلك ليس من المفهوم في شيء، فإنّ قولك: «أكرم زيداً» لا يدلّ إلّا على وجوب إكرام زيد، وغير زيد لا يكون فيه ذلك الحكم قطعاً بالخطاب المذكور، بل المقصود رفع سنخ الحكم عن غير محلّ الوصف على وجه يكون القضيّة المشتملة على الوصف منحلّة إلى عقد إيجابي وهو الثبوت في محلّ الوصف، وعقد سلبي في غير محلّه مثلاً.
وبهذا اندفع ما توهّمه بعض من التنافي بين ما ذهب إليه المشهور من عدم المفهوم في الوصف وبين ما قالوا بالتخصيص في مباحث العامّ والخاصّ، كقولك: «أكرم العلماء الطوال»، فإنّه لا يجب إكرام القصار، لا من حيث إنّ تقييد العلماء بالوصف دلّ على عدم الحكم في القصار حتّى يكون من المفهوم، بل من حيث إنّ وجوب الإكرام في غير المنصوص بوجوبه يحتاج إلى دليل، والنصّ مختصّ بمحلّ الوصف، فلا يعارض ما دلّ الدليل على وجوبه أيضاً.»[1]
أقول: الفرق بين الحکم بعدم وجوب إكرام العلماء القصار بإفادة المفهوم له وعدمه، يظهر في أنّه إذا دلّت القضيّة على انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الحيثيّة التقييديّة، فإنّ انتفاء الحكم مستفاد من الدليل، وإلّا فإمّا أن يكون المورد مشمولاً بالعمومات والإطلاقات وإمّا ينبغي العمل فيه طبقاً لمقتضى الأصل. مثلاً إذا ورد في الدليل بنحو عامّ: «أكرم العلماء» ثمّ ورد في دليل آخر «أكرم العلماء العدول»، فإذا قلنا بوجود المفهوم للوصف، فإنّ مفهوم القضيّة الثانية يسبّب تخصيص عموم القضية الأُولى وعليه فلا يجب إكرام العلماء الفسّاق، ولكن إذا لم نقل بمفهوم الوصف، فإنّ عموم القضيّة لم يخصّص ويجب بمقتضاه إكرام العلماء الفسّاق أيضاً.
وبعبارة أُخرى: ففرق بين أن لا تدلّ القضيّة على الحكم في فرض عدم الموضوع وهو أمر عدميّ، وبين أن يفهم منها إثبات قد يناقض مفاد المنطوق ـ کموارد مفهوم المخالفة ـ أو يكون نفس مفاد المنطوق ـ کموارد مفهوم الموافقة ـ والذي يسمّى بالمفهوم هو المورد الثاني لا الأوّل الذي ينتفي فيه شخص الحكم. وأمّا تعبيرهم عن المفهوم بانتفاء سنخ الحكم فهو لغلبة موارد مفهوم المخالفة في القضايا وإن لم ينتف سنخ الحكم في تلك الموارد أيضاً وإنّما يثبت انتفاء الحكم مع بقاء ذات الموضوع.
فإن قيل: إنّ انتفاء شخص الحكم أيضاً وجودي وليس عدميّاً، إذ كما يُحكم بعدم المعلول بانتفاء علّته، فبانتفاء الحيثيّة التقييديّة المأخوذة في موضوع الحكم أيضاً يُحكم بانتفاء شخص الحكم المترتّب عليه.
قلت: إنّ الذي يُبحث عنه في المقام هو مدلول اللفظ، ومعلوم أنّ الحاكم في انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه هو العقل لا اللفظ، وعليه فبانتفاء الحيثيّة التقييديّة المأخوذة في موضوع الحكم وإن كان العقل يحكم بانتفاء الحكم المترتّب عليه ولكنّ اللفظ لا دلالة له ولا يفهم منه حكم في هذا الفرض.
وبناءً على ما تقدّم نقول: لا يمكن الالتزام بما ورد في كلمات الأعاظم من أنّ إفادة القضيّة للمفهوم متوقّفة على أن تتكفّل القضيّة بيان سنخ الحكم لا شخصه وبحثوا عن أنّ المراد من سنخ الحكم هل هو الطبيعة المطلقة أو المقيّدة أو المهملة، إذ لا إشكال في أنّ منطوق كلّ قضيّة ينتفي بانتفاء حيثيّاتها التقييديّة، وعليه فكلّ قضيّة يفيد ما يسمّونه بشخص الحكم والقضايا التي تستفاد منها المفهوم، تفيد فضلاً عن ذلك سنخ الحكم أيضاً في منطوقها بناءً علی هذه الدعوی، بينما لا يمكن الالتزام بذلك، لأنّه أوّلاً: يلزم من هذه الدعوى استعمال اللفظ في أكثر من معنىً وهو محلّ نقاش، وثانياً: وإن قلنا بإمكان استعمال اللفظ في أكثر من معنىً واحد ـ وهو الحقّ ـ ولکنّه خلاف ظاهر القضيّة ويحتاج إثباته إلى قرينة، وإذا استند وجود المفهوم إلى قرينه فلا يمكن حينئذٍ أن يدّعى مثلاً أنّ القضية الشرطيّة بما هي هي تشتمل على المفهوم وإنّما ثبوت المفهوم لها متوقّف علی وجود قرينة عليه.
هذا؛ وإنّ الشيخ والمحقّق الخراساني كانا ملتفتين إلى ورود هذا الإشكال على مدّعاهما من انتفاء سنخ الحكم في المفهوم، وحاولا رفع الإشكال بما سنتعرّض إلى بيانه تباعاً إن شاء الله.