46/05/02
بسم الله الرحمن الرحیم
تعريف شهيد الصدر من المفهوم و الإشکال عليه - المنطوق و المفهوم؛ وصفا المدلول/ المقدمات /المفاهيم
الموضوع: المفاهيم / المقدمات / تعريف شهيد الصدر من المفهوم و الإشکال عليه - المنطوق و المفهوم؛ وصفا المدلول
متابعةً للبحث في معنى المفهوم، يقول الشهيد الصدر: «إنّ القضيّة التي تربط بين جزءين لا محالة، يكون اللازم لهما إمّا لازماً لنفس هذين الجزءين بنحو لو بدّلنا أحد الجزءين بشيء آخر فلا يثبت اللازم، أو لازماً للربط بين الجزءين بنحو يكون اللازم ثابتاً مادام أنّ الربط الخاصّ ثابت وإن تغيّر طرفاه، فالقسم الثاني من اللازم هو المفهوم دون الأوّل.»[1]
غير أنّ هذا التعريف مشكل بأنّه أوّلاً: إنّ موارد مثل مفهوم الموافقة خارجة عنه؛ لأنّ مفهوم الموافقة من لوازم أحد الجزئين اللذين تربط الجملة بينهما لا من لوازم الربط بين الجزئين بحيث يبقى اللازم حتّى مع تغيّر أحدهما، وثانياً: إنّ تعريف المفهوم بلازم الربط بين جزئي القضيّة يوجب أن تدخل في تعريف المفهوم الأُمور التي قد تحدث ملازمة بينها وبين هذا الربط أحياناً؛ فمثلاً إذا نذر أحد أن يتصدّق فيما إذا طلب مولاه منه شيئاً بجملة شرطيّة، فإذا قال له مولاه: «إن جاءك زيد فأكرمه»، فيلزم من الارتباط الشرطي بين جزئي القضيّة المذكورة أن يجب عليه التصدّق من دون أن يسبّب التغيير في كلّ من جزئي القضيّة انتفاء هذه الملازمة، بينما ليس وجوب دفع الصدقة مفهوماً للقضيّة الشرطيّة.
ثمّ إنّه يعلم بالنظر إلى ما تقدّم أنّ المنطوق والمفهوم وصفان للمعنى وليسا وصفين للدلالة، ولكن من المعلوم ـ كما قال الشيخ[2] ـ أنّ اتصّاف المعنى بهذه الأوصاف ليس بما هو هو وإنّما بما هو مدلول، فالدلالة إذن دخيلة في اتصّاف المعنى بهذين الوصفين، وعليه فلا يمكن الالتزام بما يظهر فيه كلام ابن حاجب ـ وأکّد عليه العضدي بقوله بأنّ «ما» في کلامه مصدريّة ـ من أنّ المنطوق والمفهوم من تقسيمات الدلالة، فإنّ تقسيم الدلالة إلى هذين القسمين من باب التوصيف بحال المتعلّق كما قاله المحقّق الخراساني[3] .
غير أنّ المحقّق الإصفهاني قال في الاستدلال على أنّ المنطوق والمفهوم وصفان للمدلول: إنّ الدلالة بالمعنى المفعولي هي المدلوليّة، وعليه فلا فرق بين أن نعتبر المنطوق والمفهوم وصفين للدلالة بهذا المعنى أو وصفين للمدلول بما هو مدلول. ولكنّ الدلالة بالمعنى الفاعلي تعني فهم المعنى من اللفظ الحاصل بواسطة كون اللفظ وعاءً للمعنى، ومن الواضح أنّ اللفظ ليس وعاءً إلّا للمعنى المنطوقي، لا أن يكون بالذات للمعنى المنطوقي وثانياً للمعنى المفهومي بالتبع، لأنّ الذي يوجب فهم المعنى المفهومي هو نفس فهم المعنى المنطوقي الخاص.[4]
ولكن يمكن الإشكال عليه بأنّ الدلالة بالمعنى الفاعلي ليست بالضرورة بمعنى فهم المعنى من اللفظ، بل بمعنى فهم المعنى من كلّ دالّ، سواء أكان لفظاً أو غيره، ولذلك يمكن دعوی أنّ الدلالة بالمعنى الفاعلي تنقسم إلى منطوق ومفهوم.
وتفطّن المحقّق الإصفهاني نفسه لهذا الإشكال بعدئذٍ وسلّم بأنّ الدالّ كما قد يكون لفظاً فقد يكون معنىً أيضاً، وبهذا الاعتبار قد يكون له معنىً منطوقي يفهم من اللفظ، كما قد يكون له معنىً مفهومي من لوازم المعنى الخاصّ المفهوم من اللفظ[5] ، ولكن بناءً على ذلك يشكل هذه الدعوى أنّ ظاهر تقسيم الدلالة إلى المنطوق والمفهوم ليس تقسيمها باعتبار المعنى الفاعلي أو المفعولي حتّى يمكن توجيهه، وإنّما بما هي هي، ومعلوم أنّ الدلالة بما هي هي لا يمكن تقسيمها بهذا النحو.
ثمّ هل ينحصر المدلول في المنطوق والمفهوم؟
أجاب الشيخ عليه قائلاً: «ظاهر الأكثر... هو الأوّل... ويظهر من محكيّ النهاية ثبوت الواسطة حيث جعل الإيماء والإشارة قسماً ثالثاً، مع أنّ المشهور دخولهما في المنطوق، خلافاً للتفتازاني حيث جعلهما من المفهوم.
فإن أرادا بذلك جعل اصطلاح جديد، فلا ينبغي التشاحّ، وإن أرادا بيان ما هو المصطلح، فالظاهر خلافه كما يظهر بالرجوع.»[6]
إلّا أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ تقسيم المدلول إلى المفهوم والمنطوق إنّما يصحّ في المداليل التي يكون اللفظ دخيلاً في فهمها، والدليل عليه أنّ المراد من النطق ليس كلّ صوت يخرج من الفم، وإنّما يراد به الألفاظ ذات المعنى، وبما أنّ المفهوم بحسب التعريف الذي تقدّم ذكره إنّما يوجد فيما يوجد المنطوق، فكلّما لم يفهم من اللفظ معنىً فلا مفهوم هناك.
وعليه فإذا فُهم المدلول بدون واسطة اللفظ، فهذا المدلول خارج تخصّصاً من تحت هذا التقسيم، وليس من المنطوق ولا من المفهوم.
وأمّا دلالة الإيماء والإشارة فهي بناءً على التعريف الذي قدّمناه للمفهوم، تکون من أقسام الدلالة المنطوقيّة، لأنّ المعنى المستفاد من اللفظ في هذه الدلالة يكون مع حفظ جميع حيثيّاته التقييديّة ومن دون لحاظ التغيير في تلك الحيثيّات، وذهاب المشهور إلی اعتبارها من أقسام الدلالة المنطوقيّة يؤيّد ما ذهبنا إليه من أنّ كلّ معنىً يُفهم من اللفظ مع حفظ حيثيّاته التقييديّة وبدون تغيير فيها، يعتبر منطوقاً ولو كان مدلولاً التزاميّاً، لوضوح أنّ دلالة الإيماء والإشارة من أقسام الدلالة الالتزاميّة.