46/04/15
بسم الله الرحمن الرحیم
نقد دعوی السيّد الخوئي في العصيان الوضعي/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / نقد دعوی السيّد الخوئي في العصيان الوضعي
ذكرنا في الجلسة السابقة دعوى السيّد الخوئي من أنّ العصيان في كلا فقرتي حسنة الحلبي بمعنى العصيان الوضعيّ، وأنّه وإن كان بيّن وجه الحمل بالنسبة إلى ما أقدم العبد على النكاح بدون إذن مولاه، ولكنّه لم يذكر دليل الحمل على العصيان الوضعيّ فيما إذا نشأ فساد النكاح عن عصيان الشارع، وقد يكون وجهه أنّ الأدلّة التي تنهى عن موارد كالنكاح في العدّة ظاهرة في مانعيّة النكاح في العدّة من صحّته، وعليه فإنّ فساد النكاح في هذه الموارد إنّما هو لوجود المانع منه لا لتعلّق النهي المولوي به.
ولكن يرد على دعواه أنّ نهي الشارع عن المعاملات وإن كان ظاهراً في بعض الموارد في الإرشاد إلى الفساد غير أنّ هناك موارد يکون للنهي عن المعاملة فيها ظهور في المولويّة والحرمة التكليفيّة للعمل، كالنهي عن البيع والقرض الربويّين.
كما لا يمكن حمل العصيان في مخالفة المولى على العصيان الوضعي، بل الظاهر كونه عصياناً تكليفيّاً، إذ ـ على خلاف ما ذكره ـ كلّ أفعال العبد الاختياريّة تحتاج إلی إذن المولى، وعدم استئذان العبد مولاه في التكلّم إنّما هو لاستفادة وجود الإذن في أفعاله العاديّة من بعض القرائن، ولذلك إذا صرّح المولى للعبد أنّ عليه الاستئذان لكلّ فعل اختياريّ بإذن خاصّ، فإذا لم يكن أذن له في التكلّم، فلا يجوز للعبد أن يتكلّم.
نعم، تصحّ دعواه بالنسبة إلى صحّة العقد الذي أنشأه العبد لغيره من دون إذن مولاه وعدم حاجة نفوذه إلى إجازة مولى العبد غير أنّ وجهه هو أنّ النهي في هذه الموارد إنّما يتعلّق بذات السبب لا بالسبب بما هو سبب، لوضوح أنّ الذي بيد المولى هو ذات السبب الصادر من العبد لا سببيّته، ولذلك إذا أنشأ العبد لنفسه عقداً من دون إذن مولاه ثمّ أجازه المولى صحّ العقد، والوجه فيه أنّ فساد المعاملة الفاقدة لإذن المولى لا ينشأ عن محدوديّة سلطة العبد على إيجاد المسبّب وإنّما عن فقدان الشرط، وإلّا لم يكن لإذن المولى أن يصحّح المقتضي للعقد، وكما تقدّم في بداية البحث فكلّما تعلّق النهي بذات السبب فلا يستلزم فساد المعاملة.
وبعبارة أُخرى: ففرق بين العقد المنشأ من قبل الصبيّ وبين العقد الذي ينشؤه العبد من دون إذن مولاه، لأنّ الأوّل قيل فيه: إنّ أفعال الصبيّ الاختياريّة في حكم اللاختياريّة، وعليه فلا يوجد مقتضٍ لصحّتها، فلا يمكن تصحيحه حتّى مع إذن الوليّ. بينما غاية ما تدلّ عليه الأدلّة في خصوص العبد أنّ إذن المولى يكون بديلاً عن إذن العبد فيما إذا کان نفوذ الفعل مشروطاً بإن الفاعل، وبما أنّ نفوذ العقد بين الطرفين اللذين أنشأ العبد عقدهما غير مشروط بإذن العاقد، فلا مدخليّة لإذن مولاه أيضاً في صحّة ذلك العقد. غاية ما يمكن قوله أنّ العقد الذي أجراه العقد كان مبنيّاً على الوكالة من قبل طرفي العقد، وبما أنّ صحّة وكالة العبد تحتاج إلى إذن مولاه، فإنّ وكالته باطلة بدونه، فکان العقد فضوليّاً، ويصحّ العقد في هذه الصورة أيضاً بإجازة الطرفين ورضاهما.
بل لا وجه لحمل معصية المولى على العصيان الوضعي، لأنّ دخل إذن المولى في صحّة العمل الوضعيّة لا يعني أنّ فقدان إذنه يستلزم عصيانه الوضعيّ، لأنّ الذي قام بهذا الوضع لم يكن المولى وإنّما الشارع، وإذا صدق العصيان الوضعي بالنسبة إلى أحد فإنّه يصدق في هذا المورد بالنسبة إلى الشارع لا المولى، والحال أنّ العصيان التكليفي للمولى إنّما يصدق بعد جعل الشارع لوجوب طاعة المولى.
وبعبارة أُخرى: فإنّ الشارع فوّض اختيار الأمر والنهي للمولى ولم يعطه اختيار الوضع، وعليه فإنّ العصيان التكليفي للمولى وجيه دون العصيان الوضعي. فإذن لا معنى لحمل العصيان على العصيان الوضعي في كلا الفقرتين في قوله(ع): «إنّه لم يعص الله، إنّما عصى سيّده» إذ لو كانت مخالفة المولى تستلزم العصيان الوضعيّ لكان هذا العصيان عصياناً للشارع لا المولى.
وقد ذكر الشهيد الصدر أيضاً قرائن لحمل العصيان في الفقرتين على العصيان الوضعي ممّا سنتعرّض إلى بيانها في الجلسة القادمة إن شاء الله.