46/04/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الأخبار الدالّة على فساد المعاملة المنهيّ عنها/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الأخبار الدالّة على فساد المعاملة المنهيّ عنها
الدليل الثالث: الأخبار الدالّة على فساد المعاملة المنهيّ عنها
ورد في بعض الأخبار ما استدلّ به بعض الأعاظم على فساد المعاملة المنهيّ عنها، كما في حسنة زرارة عن أبي جعفر(ع): «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: ذاك إلى سيّده، إن شاء أجازه وإن شاء فرّق بينهما. قلت: أصلحك الله! إنّ الحكم بن عُتيبة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد ولا تحلّ إجازة السيّد له. فقال أبو جعفر(ع): إنّه لم يعص الله، إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز.»[1] [2]
قال الميرزا النائيني: اعتبر بعض الفقهاء هذا الخبر دالّاً على عدم فساد المعاملة بواسطة تعلّق النهي بها، واستدلّوا بأنّه ورد فيه أنّ العبد إذا عصى أمر مولاه فهذا لا يستلزم فساد معاملته، بينما عصيان المولى يستلزم عصيان الشارع، وعليه فإنّ عصيان الشارع لا يقتضي فساد المعاملة أيضاً، غير أنّ المراد ممّا ورد في الرواية في عصيان الله تعالى يراد به العصيان الوضعي، فيكون معنى الرواية أنّ العبد مادام لم يرتكب عملاً غير مشروع في حدّ نفسه ـ مثل النكاح في العدّة ـ بل كان عمله مشروعاً في حدّ ذاته وأمكن لحوق إجازة المولى به، فبعد لحوق إجازة المولى به يصحّ عمله وإن كان صدر منه عصيان تكليفي.
ثمّ أشكل علی هذا الاستدلال وقال: يلزم منه أن يكون عصيان المولى بمعنى العصيان التكليفي وعصيان الله تعالى بمعنى العصيان الوضعي ممّا يخالف ظاهر الرواية، فطريق دفع الإشكال ـ أي تحقّق معصية الشارع في صورة معصية العبد لمولاه ـ أن لا يكون المنفيّ في الرواية مطلق عصيان الشارع وإنّما خصوص العصيان الراجع إلى حقّ الله تعالى، بقطع النظر عن حكم الشارع بلزوم مراعاة حقّ الناس.
وعليه فإنّ المستفاد من الرواية هو أنّ عصيان العبد بواسطة الإقدام على النكاح من دون إذن مولاه إذا كان ناشئاً عن مخالفة النهي المتعلّق بالنكاح من حيث هو وللمفسدة الموجودة في النكاح ذاته ـ كالنكاح في العدّة ـ فإنّ النهي في هذه الصورة يقتضي فساد النكاح، لأنّ متعلّق هذا النهي مبغوض للشارع حدوثاً وبقاءً من حيث استمرار مفسدته. ولكن إذا كان عصيان العبد ناشئاً عن معصية مولاه، فإنّ النهي في هذه الصورة دائر حدوثاً وبقاءً مدار صدق التمرّد على المولى، وعليه فإذا رضي المولى بفعل صدر عن العبد من دون إذنه فيما بعد، فإنّ النهي يرتفع أيضاً ولا موجب للفساد ولا مانع من الصحّة.
وعليه فإنّ الرواية تدلّ على أنّ فساد المعاملة دائر مدار النهي حدوثاً وبقاءً، ونهي الشارع الناشئ عن تفويت حقّ الغير إنّما يستلزم فساد المعاملة فيما إذا بقي النهي بواسطة بقاء موضوعه، ولكن إذا انتفى النهي بلحوق الإجازة، فإنّ الفساد ينتفي أيضاً.
وعليه فإنّ الرواية المذكورة في الواقع تدلّ على فساد المعاملة بتعلّق النهي بها لا على صحّة المعاملة التي تعلّق بها النهي، وتبيّن أنّه لا يمكن الجمع بين صحّة المعاملة وبين تحقّق معصية الله تعالى.[3]
غير أنّ السيّد الخوئي قال في ردّ هذا الاستدلال: إنّ المراد من العصيان في هذه الحسنة في كلا الموردين هو العصيان الوضعي وعليه فإنّ الرواية خارجة عن محلّ كلامنا، لأنّ العبد فيما إذا نكح من دون إذن مولاه ولم يكن مانع من نفوذ نكاحه إلّا عدم رضا المولى به، فإذا ارتفع المانع بحصول إجازته للنكاح، فإنّ النكاح يصبح جائزاً.
على أنّ حقيقة المعاملات هي عبارة عن اعتبارات نفسانيّة أُبرزت بمبرز خارجيّ، ومن الطبيعي أنّ إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج ليس من التصرّفات الخارجيّة حتّى يحتاج إلى إذن المولى لعبده ويحرم عليه من دون إذنه، بداهة أنّ جواز تكلّم العبد ليس منوطاً بإذن مولاه، ولذلك إذا أجرى العبد عقداً لغيره من دون إذن مولاه فلا شكّ في أنّ نفوذه لا يحتاج إلى إذنه، بينما لو كان مجرّد صدور العقد من العبد من دون إذن المولى معصيةً، للزم توقّف نفوذ العقد على إذن المولى حينئذٍ بمقتضى حسنة زرارة.[4]
فإنّه وإن كان ذكر وجه حمل العصيان على العصيان الوضعي في خصوص ما أقدم العبد على النكاح من دون إذن مولاه غير أنّه لم يذكر دليل حمله على العصيان الوضعي فيما إذا نشأ فساد النكاح عن عصيان الشارع، وسنذكر وجهه في الجلسة القادمة إن شاء الله.