46/04/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الملازمة العرفيّة بين مبغوضية المسبب وفساد المعاملة/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی
الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الملازمة العرفيّة بين مبغوضية المسبب وفساد المعاملة
طرحنا في الجلسة السابقة دعوى الميرزا النائيني من وجود ملازمة عرفيّة بين النهي عن المسبّب وتحديد القدرة الشرعيّة للمكلّف على إيجاده وإشكال المحقّق العراقي عليها.
وقال السيّد الخوئي أيضاً في ردّ دعوى الميرزا النائيني: يستحيل النهي عن المسبّب أصلاً، لأنّ النهي عنه إمّا أن يتعلّق بإمضائه الشرعي أو بإمضائه العقلائي، وإمّا بأمر نفساني وهو الاعتبار، وإمّا بمبرزه الخارجي، أو بما يترتّب على مجموعها.
والحال أنّه يمتنع تعلّق النهي بإمضاء الشارع أو العقلاء، لأنّهما خارجان عن قدرة المكلّف. وأمّا النهي عن الأمر النفساني أو مبرزه الخارجي وإن كان ممكناً في حدّ نفسه غير أنّه لا يستلزم فساد المعاملة، لأنّ النهي عن أحدهما لا يعدّ نهياً عن المعاملة حتّى يسبّب فسادها، إذ المعاملات أسامي لأُمور مركّبة من الاعتبار النفساني وإبرازه في الخارج، وعليه فلا تطلق المعاملة على كلّ واحد منهما علی حدة.
وأمّا النهي عمّا يترتّب على مجموع ما ذكر فبغضّ النظر من الإشكال في أصل السببيّة في المعاملات إذا أُريد به الملكيّة الشرعيّة فلا يُعقل النهي عنها، وإن أُريد الملكيّة الاعتباريّة القائمة بنفس المعتبِر مقيّداً بأن يبرز بصيغة في الخارج، فإشكاله عدم ثبوت الملازمة بين الحرمة التكليفيّة والفساد الوضعي.[1]
ولكنّ الذي يمكن الإجابة به عن هذه الإشكالات هو أنّه يمكن تقرير دعوى الميرزا النائيني بأنّ النهي عندما يتعلّق بالمسبّب، فبما أنّ المسبّب أمر خارج عن اختيار المكلّف، يلزم منه أن يكون النهي عن السبب هو المراد الجدّي للناهي، لأنّ المسبّبات في المعاملات من أقسام المسبّبات التوليديّة، والميرزا النائيني يقول بأنّ هذا القسم من المسبّبات يمكن فيها تعلّق الأمر والنهي بالمسبّب من باب أنّ سببها اختياري.[2] وعليه فينبغي الالتزام بأنّ النهي عن المسبّب في المعاملات يلازم النهي عن السبب من حيث سببيّته.
والنهي عن السبب وإن لم يلازم عقلاً عدم ترتّب المسبّب عليه كما مرّ ولكن يمكن دعوی وجود ملازمة عرفيّة بين النهي عن السبب وعدم ترتّب المسبّب عليه، لأنّ ترتّب المسبّب على السبب في المعاملات التي يكون قصد الفاعل وإرادته دخيلاً فيها، متوقّف على تماميّة سلطة الفاعل على المعاملة، وإذا نهى الشارع عن السبب بما هو سبب، فإنّ الانطباع العرفيّ عن هذا النهي هو أنّ الشارع يحاول تضييق سلطة المكلّف ويراه غير قادر على إيجاد مصداق خاصّ من المعاملة بسبب خاصّ.
وهذا المطلب هو الذي احتمله الشيخ أيضاً في المعاملات التأسيسيّة، وإن كان قد ذهب في المعاملات الإمضائيّة بأنّ النهي عن المسبب لا يستلزم فساد المعاملة[3] . نعم، إنّه يرى أنّ فساد المعاملة التأسيسيّة ليس من باب تحديد سلطة المكلّف وإنّما يكون من باب استبعاد جعل الأثر على السبب ذي المسبّب المبغوض، وهذه الدعوى باطلة، لأنّ جعل الشارع للأثر إنّما يكون على طبيعة المعاملة وليس على مصداقها.
كما أنّه لا وجه للتفصيل الذي ذكره بين المعاملات الإمضائيّة والتأسيسيّة، فكما يمكن في المعاملات التأسيسيّة أن ندّعي استبعاد النهي عن المسبّب وجعل ترتّبه على السبب في نفس الوقت ـ بناءً علی التسليم بهذه الدعوی ـ فكذلك يمكن طرح هذه الدعوى بالنسبة إلى إمضاء ترتّب المسبّب على السبب أيضاً.
وعليه فيمكن الالتزام بدعوى الميرزا النائيني من فساد المعاملة في الصورة المذكورة، ولذلك قال السيّد الخميني في هذا الشأن: «لو تعلّق النهي بالمعاملة لأجل مبغوضيّة ترتيب الآثار المطلوبة عليها، لفهم منه الفساد عرفاً، لأنّ حرمة ترتيب الأثر على معاملة مساوقة لفسادها عرفاً.»[4]
ثمّ إنّه أشكل المحقّق الإصفهاني أيضاً على الملازمة العرفيّة بين مبغوضية المسبّب وبين فساد المعاملة حيث قال: «لا وجه للتلازم العرفي بين المبغوضيّة الحقيقيّة والتأثير، كما أنّ الظهار الحقيقي حرام ومع ذلك يؤثّر أثره.
نعم، بعد ارتكاز هذه الملازمة في أذهان أهل العرف ولو غفلةً وخطأً عن عدم الملازمة الواقعيّة، يصحّ تنزيل النواهي الظاهرة في الحرمة على فساد المعاملة، إلّا أنّ الإشكال في أصل الملازمة.»[5]
وسنطرح الجواب عنه في الجلسة القادمة إن شاء الله.