« قائمة الدروس
بحث الأصول الأستاذ سیدعلي الموسوي‌اردبیلي

46/04/04

بسم الله الرحمن الرحیم

 الملازمة العقليّة بين النهي عن المعاملة و فسادها/ اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه /النواهی

الموضوع: النواهی / اقتضاء النهي لفساد العمل المنهيّ عنه / الملازمة العقليّة بين النهي عن المعاملة و فسادها

 

تبيّن إلى الآن أنّ البحث في اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها يجري في صورتين: تعلّق النهي بسبب المعاملة بما له من سببيّة، وتعلّق النهي بالمسبّب. بل الحقّ أنّ كلا الصورتين راجعتان في الواقع إلى مسألة واحدة وهي أنّ تعلّق النهي بالتسبّب في المعاملات هل يسبّب فسادها أم لا؟ لأنّ المسبّب بما أنّه خارج عن اختيار المكلّف، فإذا تعلّق النهي به، فإنّه من حيث التسبّب به بالأسباب الداخلة تحت اختيار المكلّف. نعم، من المعلوم أنّ النهي عن التسبّب ناشئ عن مبغوضيّة المسبّب، وإلّا لم يكن لتعلّق النهي به وجه، بل كان ينبغي أن ينهی عن ذات السبّب بما هو هو.

وقد أنكر السيّد الخوئي وجود السبب والمسبّب في المعاملات وقال: المعاملات كلّها مركّبة من شيئين: 1 ـ أمر اعتباري نفساني، 2 ـ إبراز ذلك الأمر في الخارج بمُبرز، وكلاهما من الأُمور المباشريّة ولا معنى للتسبيب بالنسبة إليهما.[1]

وهذه الدعوى مترتّبة على دعواه في الإنشاء، حيث إنّه لا يرى حقيقة الإنشاء إيجاداً وإنّما اعتباراً في أُفق النفس مشروطاً بأن يتمّ إبرازه بمُبرز في الخارج، ولكن كما تقدّم تفصيلاً فإنّ دعواه في حقيقة الإنشاء لا يمكن الالتزام بها، وما يُعتبر ابتداءاً في عالم الاعتبار العقلائيّ هو طبيعة كالبيع، وإنشاء مصاديق تلك الطبيعة معناه إيجاد مصداق جزئي لهذه الطبيعة في ذلك العالم، وبما أنّ الإنشاء يتمّ بأسباب خاصّة، فيمكن القول بالسببيّة بين تلك الأسباب والمصاديق الموجدة بالإنشاء.

وأمّا بالنسبة إلى اقتضاء النهي عن التسبّب لفساد المعاملة، فهناك أقوال ثلاثة: 1 ـ اقتضاء النهي لفساد المعاملة، 2 ـ اقتضاء النهي لصحّة المعاملة، 3 ـ عدم اقتضاء النهي لصحّة المعاملة ولا لفسادها.

وذكرت عدّة أدلّة على اقتضاء النهي لفساد المعاملة:

 

الدليل الأوّل: الملازمة العقليّة بين النهي عن المعاملة وفسادها

قال المحقّق الإصفهاني في بيان هذا الدليل: بما أنّ تأثير المعاملات أمر جعليّ، فلا معنى لأن يكون التسبّب مبغوضاً ومع ذلك يُجعل الأثر.

ثمّ أشكل على ذلك وقال: لا منافاة بين ثبوت المفسدة في التسبّب مع ثبوت المصلحة في جعل الأثر عند وجود هذا الفعل المبغوض. نعم، إذا كان المسبّب مبغوضاً فإنّ نفوذ السبب مشكل، لأنّ الأثر في المعاملات يکون من الآثار الاعتباريّة الشرعيّة أو العرفيّة المترتّبة على المقتضيات، لا من الآثار الواقعيّة القهريّة المترتّبة علی أسبابها التکوينيّة حتّى لا تتنافى مبغوضيّتها مع تأثير الأسباب، وإنّما هي اعتبارات شرعيّة أو عرفيّة، ومعلوم أنّ اعتبار أيّ معنى هو من الأفعال المباشريّة للمعتبِر، وإذا كان اعتبار الملكيّة ذا مفسدة في نظر المعتبِر ومبغوضاً عنده، فلا يُعقل إيجاده له، ولكنّ المبغوضيّة في هذه الصورة لا تكون شرعيّة، لأنّ متعلّقها فعل المولى لا المكلّف.

فإن قيل: التسبّب بالملكيّة متقوّم بأنّ يعتبر الشارع الملكيّة، وإذا كان التسبّب بالملكيّة نفسه مبغوضاً فكيف يحقّقه الشارع باعتباره؟

الجواب النقضي: أنّ هذا الإشكال لو كان وارداً لورد على جميع التكوينيّات المبغوضة أيضاً، لأنّ الله تعالى غاية سلسلة جميع الموجودات.

والجواب الحلّي: أنّ معنى التمليك الحقيقيّ هو أن يقع الشخص والشيء طرفين لاعتبار الملكيّة، فبمجرّد وجود العلّة التامة للطرفيّة توجد الطرفيّة وإن كانت مبغوضة في حدّ ذاتها، إذ لا يعقل بعد فرض تماميّة علّة الطرفيّة أن تتخلّف عنها. ولا منافاة بين وجود مصلحة للسبّب التامّ ـ أي العقد بشروطه ـ ممّا يسبّب وقوع الشخص طرفاً لاعتبار الملكيّة شرعاً، وبين وجود مفسدة للمسبّب ـ أي وقوع الشخص طرفاً للنسبة ـ وبسبب إمكان تركه بترك التسبّب، فمن الممكن تعلّق طلب شرعيّ به أيضاً، وإلا لزم أن تمنع الخصائص الموجبة للحرمة من تأثير العقد وان يُشرط العقد بعدمها، وهو ليس كذلك، والعقد موجود بشروطه، والموجود هو المبغوضيّة فقط.[2]

وسنبيّن نقد كلماته في الجلسة القادمة إن شاء الله.


logo